الطريق- عمار جلو
جاءت زيارةُ وزيرِ الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد" إلى العاصمة الروسية موسكو، ولقاؤُهُ وزيرَ خارجيتها سيرغي لافروف، بعد أسابيع من زيارة قام بها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق "يائير بن شابات"، والرئيس الجديد "ايال حولتا"، ناقشا خلالها مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بيترشوف، الوضع في سوريا، وقد تباينت وجهات النظر لدى الجانبين في عدد من القضايا، حسب أحد الدبلوماسيين الروس، وهو ما دعا لزيارة "لابيد" الخاطفة.
لم يكن باستطاعة موسكو الدخول إلى الساحة السورية عام ٢٠١٥ إلا عبر تفاهم مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي، حيث لعب الأخير دوراً مهماً في تليين الموقف الأمريكي المتصلّب نتيجة التدخل الروسي في البلقان وجزيرة القرم، إلا أنَّ إسقاط الطائرة الروسية بنيران إسرائيلية عام ٢٠١٨ فرض على الطرفين تعميق تفاهمهما وتأطيره ضمن مسمَّى (منع التصادم).
تلاقت المصالح الروسية والإسرائيلية على الجغرافية السورية؛ بالحفاظ على النظام السوري ولو إلى حين، وتقليص الوجود الإيراني في سوريا، إضافة للبوابة العريضة المتمثلة بمحاربة الحركات الإسلامية الراديكالية، مع وجوب مراعاة المحاذير الروسية بمنع استهداف قواتها أو مناطق تجمعها أو قوات النظام ومواقعها أو الأسلحة الحديثة المزود بها، مع الاشتراط بعدم استهداف البنية التحتية لــ "الدولة السورية" ومواقع القيادة والإدارة، وعدم التدخل بجهود النظام الرامية لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما لم تلتزم به تل أبيب ضمن عملياتها المسمَّاة بـ"الحرب بين الحروب".
لكنَّ عواملَ عدة ساهمت بإحداث هوة بين موسكو وتل أبيب، تصدَّرها حديث لا مصدر له تردد على مسامع الإدارة الروسية عن تزويد إسرائيل لأوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية لحمايتها من أي اعتداء روسي، ورغم أنَّ الحديث لا يحمل الكثير من المصداقية، إلا أنَّ حجم التبادل التجاري بما فيه العسكري بين إسرائيل وأوكرانيا يثير استياء موسكو، كما أنَّ عودة الدفء للعلاقة الأمريكية الروسية قلّل حاجة موسكو للوساطة الإسرائيلية مع واشنطن، لا سيَّما مع مجيء حكومة إسرائيلية جديدة وهشَّة تثير رغبة الروس بتغيير توافقاتها مع تل أبيب، نتيجة تأثير الضربات الإسرائيلية المتكررة على سمعة الأسلحة الروسية المعروضة للبيع، على إيقاع الدعاية الروسية الملطخة بالدم السوري.
تلك العوامل وغيرها دعت الوزير لافروف، مطلع هذا العام، إلى مطالبة إسرائيل بإبلاغ الجانب الروسي عن مخاوفها المفترضة والمتولدة من وقائع الأراضي السورية؛ حتى تتمكن موسكو من معالجتها.
وبين ملفات الخلافات الضخمة فإنَّ عدداً قليلاً من قضايا التوافق تجمع الجانبين الأمريكي والروسي، وفي مقدمتها أمن إسرائيل، الذي أصبح لازمة من لوازم الخطاب الدبلوماسي الروسي مؤخراً، وهو ما جدد التأكيد عليه الوزير لافروف خلال اللقاء الصحفي الذي جمعه مع الوزير لابيد، فيما فضّل الأخير التطرق إلى لبّ اللقاء المتمثل بوجود إيران في سوريا بقوله: "علينا أن نفهم أنَّ إيران عامل مزعزع للاستقرار في سوريا ولا يمكن لإسرائيل أن تتسامح مع وجود إيران وقيامها بتصدير الإرهاب في الشرق الأوسط، لا على المدى القريب (ولا على المدى البعيد)، لذا يجب على المنطقة والعالم أن يفهموا أننا سنفعل شيئاً حيال ذلك"، مع تأكيده على العمل بشكل وثيق (جداً) مع الشريك الروسي، تلافياً لأيِّ تصعيد عسكري.
لا يكفي اللقاء الصحفي وما تم خلاله من تصريحات، لقراءة الزيارة التي جاءت بناءً على طلب موسكو لإنهاء التحضيرات لترتيبات القمة المزمع عقدها بين زعيمي البلدين، إلا أنَّ ما يثير الانتباه تأكيد الوزير الروسي في تصريحاته على عملية السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة فيما ركّز الوزير الإسرائيلي على التغول الإيراني في المنطقة بتصريحاته التي توحي بتوافق بين الجانبين في هذا الشأن، والذي يُشَمُّ منه النية بتوسيع نطاق الضربات ليشمل وحدات تابعة للنظام، بشكل خاص تلك الخاضعة للأوامر الإيرانية كالفرقة الرابعة، تزامناً ما ينطوي عليه هذا الأمر من تلاقٍ بين مصالح الطرفين؛ خاصة في ظل أحداث درعا الأخيرة، وما مارسته بعض الوحدات النظامية المهيمن عليها إيرانياً من دور سلبي في إفشال مساعي الوساطة الروسية.
ولكن، هل هذه الجزئية البسيطة من تلاقي المصالح يكفي كثمن لقبول الروس بالخروج عمَّا هو متفق عليه مع إسرائيل على نطاق واسع ؟ وما هو الالتزام الإسرائيلي الذي قدمته تل أبيب لموسكو لتخطي الاستياء الروسي المفترض ؟
جاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد" بناءً على دعوة من الجانب الروسي في مسعى لإتمام التحضيرات للقاء المزمع عقده بين رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينت" مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في موسكو الشهر القادم، وما بين استدعاء لابيد وقمة بوتين/ بينت، زيارة مقررة لرأس النظام السوري إلى موسكو، فهل من ترابط بينهما؟