الطريق- عمار جلو
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الكازاخية، أيبك صمادياروف: إنَّ الجولة المقبلة من المحادثات السورية في مسار أستانا، ستنعقد في الفترة بين 21-22 كانون الأول الجاري، على مستوى نواب وزير الخارجية، عبر الأنترنت، ما يعني تمثيلاً دبلوماسياً منخفضَ المستوى، للدول المشاركة في المسار. وقد حققت موسكو أقصى أهدافها منه، بعد السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية من خلال مصطلح "مناطق خفض التصعيد"، والذي منح موسكو سلاح المصالحات الذي مكّنها من الانفراد بالمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، الواحدة تلو الأخرى.
تراجعت أهمية أستانا، وفق المنظور الروسي، بعد تحقيق أهدافها منه، وبعد وصول طرفيه الرئيسيين، روسيا وتركيا، لحائط لا تستطيع أي منهما تجاوزه؛ خشية هدم توافقاتها السابقة مع الطرف الآخر، إذ لم يعد بمقدور موسكو التقدم أكثر في المنطقة الوحيدة الباقية من مناطق خفض التصعيد الأربع، والتي كانت موجودة حين انطلاق أستانا الأول عام 2017، كما أن أنقرة عاجزة عن المزيد من التراجع، أو التقدّم من باب أولى.
خرجت طهران من الفعالية في أستانا، منذ جلساتها الأولى، نتيجة تباين المواقف بينها وبين موسكو من جهة، وبينها وبين أنقرة من جهة أخرى؛ إذ تؤكد طهران على ضرورة الحل العسكري واستبعاد الحل السياسي مع من تصفهم بـ "الإرهاب"، فيما ترى موسكو ضرورة السير بالمسارين معاً، وتنظر طهران للأسد كركيزة أساسية في الحل السوري، بينما ترى أنقرة فيه أسَّ المشكلة ويجب استبعاده من الحل، إضافة لما يحمله امتداد نفوذ أي من الدولتين من قطع الطريق أمام الأخرى.
صرّح المبعوث الخاص للرئيس الروسي لدول الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أنَّ قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب ستكون على رأس جدول أعمال اجتماعات "أستانا" المقبلة. مشيراً إلى أنَّ "الاجتماع سيركز على تحليل كيفية تطبيق وقف الأعمال القتالية في سوريا، وخاصة في إدلب والمنطقة المحيطة بها". فلم تعد مسائل المعتقلين وعودة اللاجئين والدستور مجدية للبحث ضمن مسار أستانا، بعد أن شُكّلت للدستور لجنة خاصة تتبع الأمم المتحدة وفشل المؤتمر الخاص بعودة اللاجئين، الذي نظمته موسكو في دمشق.
ومع عودة الحوار الأمريكي الروسي، الذي تعول عليه موسكو للحل السياسي في سوريا، لم يعد هناك الكثير من الحاجة إلى مسار أستانا، بالرغم من ضرورة بقائه على قيد الحياة؛ لاستخدامه حين تدعو الحاجة الروسية إلى ذلك.
ترى موسكو في جلسات الاستقرار الاستراتيجي مع واشنطن، والذي تولّد عن القمة التي جمعت الزعيمين الأمريكي والروسي، في جنيف في يونيو/حزيران الماضي، منصة للاعتراف الدولي لها ببعض مناطق النفوذ، ومنها سوريا. وهو ما انعكس على أستانا وأهميتها بالمنظور الروسي؛ نظراً لطبيعتها الإقليمية ووصولها إلى النهاية التي ذكرناها سابقاً.
لم تكن واشنطن راضية بدايةً عن مسار يحقق لموسكو أهدافها في سوريا، من خلال السيطرة على مساحة من الأرض السورية، ويعيد دمشق للنفوذ الروسي. غير أنَّ واشنطن لم تسعَ لتعطيل هذا المسار، لا بل تماشت معه في بعض الأحيان. وفي ظل جلسات الاستقرار الاستراتيجي التي تجمعها مع موسكو، تسعى واشنطن لتلزيم الملف السوري للاتحاد الروسي، لاسيما مع التماهي الروسي الأمريكي فيما يتعلق بأمن إسرائيل، والانفتاح الروسي على قوات سوريا الديمقراطية، إضافة لرغبة صريحة لدى واشنطن ومكتومة لدى موسكو بإخراج إيران من سوريا.
يُدرك الروس عجزهم عن فرض الحل السياسي السوري بمفردهم أو بالتشارك مع ثلاثي أستانا؛ فمن دون التعاون مع أطراف أخرى، الولايات المتحدة بالأخص، تستعصي القضية السورية على الحل.
لقد وفرت جلسات الحوار الاستراتيجي اعترافاً أمريكياً بالدور المركزي لموسكو في الحل السوري، وما لم تطرأ متغيرات تدفع واشنطن للانسحاب من هذا الاعتراف، فلن تعد موسكو تشعر بالحاجة إلى مؤتمر أستانا المزمع عقده في العاصمة الكازاخستانية، نور سلطان، ولكنها بحاجة إلى إبقائه على قيد الحياة لإشهاره عندما تدعو الحاجة الروسية إلى هذا الإشهار.
قضمت موسكو أغلب المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية عبر جلسات أستانا الـ16، وتدعو اليوم لجلسته الـ17 ،ولا جديد فيها سوى تأكيد وجود هذا المسار المشؤوم.