الطريق- عمار جلو
تتوالى الأحداث والزيارات والتصريحات التي تصب بأغلبها في المصب السوري، فمن الزيارات التي استقبلتها موسكو في الأشهر الأخيرة، إلى الغمام المتلبد في الشمال السوري المُنذِر بعملية عسكرية تركية أو روسية/أسدية مناقضة لها، إلى تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمعارضته لفرض سياسة الأمر الواقع في سوريا، إلى تأكيدات الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، التي نفَت القيام بالتقدم بأي طلب رسمي أو غير رسمي لعودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية، مشيراً في الوقت ذاته لانفتاح بعض الدول على العلاقة مع دمشق، وهو ما يُحيلنا إلى الحديث عن الخطوة الأردنية المصرية الطاقوية، إضافة للمبادرة الأردنية المسمَّاة بـ "اللاورقة" الخاصة بالحل السوري، وهما الخطوتان اللتان خرجتَا من دائرة الأقوال إلى دائرة الأفعال التي عبّدت الطريق للدول الراغبة بالانفتاح على دمشق.
نتيجة الاستعصاء الذي تشهده الساحة السورية وفشل جميع المحاولات الرامية لفتح كوّة يمكن الولوج من خلالها لحلٍّ يُنهي آلام السوريين ومعاناتهم، تقدَّم العاهل الأردني، عبدالله بن الحسين، بمبادرة قائمة على تفكيك القضية السورية إلى مجموعة من المشاكل، يتم معالجتها عبر مراحل بالاعتماد على عاملي الطلبات والمحفّزات، بحيث تكون متناسبة مع كلِّ مرحلة من مراحل الحل في إطار عملية تغيير تدريجي لسلوك النظام، والوصول بالنهاية إلى قبول الحل السياسي الذي يتطلب أيضاً توافقاً إقليمياً ودولياً.
تقوم "اللاورقة" على مبدأ "الخطوة خطوة" التي تمكّن من اختبار تنفيذ الأطراف، خاصةً النظام السوري، متطلبات التقدم في العملية السياسية المنصوص عنها في القرار الأممي ٢٢٥٤، الذي استندت إليه "اللاورقة" أساساً للحل؛ من خلال حديثها عن دستور يُعاد صياغته وشكل حكم حقيقي ينتج حكومة أكثر شمولية، والحديث عن انتخابات تجري بإشراف الأمم المتحدة، والإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، بالإضافة إلى الحديث عن الإرهاب الذي أضافت له "اللاورقة" بنداً خاصاً بـ "الجماعات المرتبطة بإيران في سوريا واستفزازتها للطائفة السنية والأقليات العرقية" وهو ما يبدو مصلحةً أردنيةً خاصة تتقاطعها مع مصالح دول أخرى. إذ تسعى الأردن بالشراكة مع مصر للعمل على محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال مشروع "شامنا، الشام الجديد" ومؤتمر الجوار العراقي ومشروع إمداد لبنان بالطاقة عبر الأراضي السورية، الذي أعطت الموافقة عليه السفيرة الأمريكية في بيروت، دروثي شيا، فيما بقيت إدارتها ملتزمة الصمت حيال الحراك الأردني برمته في إطار ما سمَّته مجلة فورين بوليسي "بالاستقرار المفوض" تجاه الشرق الأوسط الذي تمارسه إدارة بايدن والقائم على منح المبادرات المحلية موافقة ضمنية، في محاولة منها لدفع الدول الإقليمية لحل القضايا الحادة بالاعتماد على نفسها وبأقل قدر من التدخل الأمريكي، في إطار التركيز الأمريكي على قضايا أكثر أهمية، بالرغم من عدم استساغة هذه الحلول من قبل الجانب الأمريكي الذي لايزال يُعلن رفضه التطبيعَ مع نظام الأسد، وكذلك رفض المشاركة بإعادة الإعمار في ظل غياب عملية سياسية حقيقية.
يمثل الموقف الأمريكي الجديد تراجعاً عن التهديد بفرض عقوبات بموجب "قانون قيصر" على الدول الراغبة بإعادة العلاقات مع نظام الأسد، ممَّا يبدد هاجس الخوف لدى الدول الساعية للعبور إلى دمشق، وهو ما اختبره الجانب الإماراتي بالإعلان عن المحادثة الهاتفية التي أجراه الأسد الصغير مع ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، بالاستناد لما أدلى به الناطق باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس لموقع "إكسيوس" حين قال: "إنَّ قانون قيصر أداة مهمة، لكن من المهم في الوقت نفسه إيجاد توازن بين هذه الأداة والمخاوف الإنسانية".
في مسعى لمنع الانهيار الاقتصادي في كلٍّ من لبنان والأردن، تم التغاضي عن مشروع الغاز المصري عبر الأراضي السورية إلى لبنان، والذي تلقاه النظام السوري كطوق نجاة سعى من خلاله للحصول على مكاسب سياسية سابقة للمكاسب الاقتصادية التي سيُدرّها المشروع على خزينته، إذ اشترط إعادة تفعيل المجلس الأعلى اللبناني السوري المعلّق منذ العام 2011، إضافة لتبادل الزيارات بين الجانبين السوري والأردني، مع التأكيد على الجانب السياسي فيها بدايةً من خلال طرح الموضوع من قبل وزير الخارجية الأردني على نظيره السوري، بدلاً من وزارتي الطاقة أو الكهرباء المعنيتين بالمشروع، فيما فتح الاتصال الهاتفي الذي جمع العاهل الأردني بالأسد الصغير الكوّة التي أرادها الأخير للعودة إلى الساحتين الإقليمية والدولية، متوَّجاً بالنصر الذي يدّعيه والأوهام التي يرغب ببيعها في السوق العربية تحت يافطة تحجيم النفوذ الإيراني في بلاده التي لم يعد حاكماً عليها.
وإذا صدقت التصريحات الإسرائيلية عن منصات دفاع جوي قامت إيران بنصبها في سوريا، فهي إجابة كافية للمهرولين إلى التطبيع مع عصبة الأسد، تحت مبررات تحجيم النفوذ الإيراني.