الطريق- عمار جلو
لا تخلو نشرات الأخبار اليومية أو الأسبوعية، من تصريحات أو مناورات أو تهديدات مبطّنة على لسان مسؤولي العاصمتين، الإسرائيلية والإيرانية، تجاه الأخرى، ضمن حرب الظل القائمة أصلاً بين البلدين، ما ينذر باستعار الحرب غير المعلنة وانفتاق عراها إلى معلنة، على وقع تسارع دوران أجهزة الطرد المركزي في إيران، وتباطؤ مع تباعد خطى طهران ومجموعة( 4+1 ) للتوصل لاتفاق يُعيد طهران وواشنطن لالتزاماتهما المنصوص عليها بالاتفاق المُراد إحياؤه.
نشرت صحيفة "جيروزاليم" مقالاً بعنوان "سؤال إسرائيل حول إيران: الضرب أم عدم الضرب؟ " بقلم ياكوف كاتز، تطرَّق فيه لمجموعة من الأهداف المحتملة لأي هجوم إسرائيلي على إيران، حسب خطة تمَّ نشرُها في العام 2012 ضمن كتاب "إسرائيل ضدَّ إيران، حرب الظل" لكاتبه "يواز هندل"، ناقش بعدها كاتب المقال نقاط التطور لدى الجانبين المتخاصمين، في ظل الحرب الإعلامية المشتعلة بين طهران وتل أبيب.
مؤخَّراً، أقرَّ الكنيست الإسرائيلي مبلغاً يقارب ثلاثة مليار دولار تحت بند السرية، تم تحويله لوزارة الدفاع الذي أقرَّ سابقاً مبلغ مليار ونصف؛ لمواجهة المشروع النووي الإيراني، ويتوسَّع بنك الأهداف الإسرائيلي بما يخص ضربة محتملة ضدَّ المنشآت النووية الإيرانية ومتعلقاتها.
بدوره، أعرب قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجديد، تومار بار، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، استعداده لضرب إيران من الغد، وأضاف بالقول: "جهَّزنا أنفسنا بدون أي موازنة خاصة لذلك". وفي إشارة إلى حزب الله، يرى "بار" أنه "نريد هذه المرة انتصاراً واضحاً".
في المقابل، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أنَّ أيَّ تحرك عدائي "سيواجه ردَّاً حازماً من قبل القوات المسلحة الإيرانية، بما يؤدي إلى قلب المعادلات الاستراتيجية في المنطقة"، وهو ما يكرره جنرالات الحرس الثوري الإيراني بالمضمون، بقولهم: إنَّ أيَّ ضربة لإيران، ستكون بداية النهاية لإسرائيل.
تحكم الدولتين علاقاتٌ مثيرةٌ للجدل؛ إذ إنَّ علاقات جيدة ربطتهما لمدَّة 30 عاماً، وكان لكلٍّ منهما صلات قوية مع الولايات المتحدة، وفي تضاد مع النفوذ السوفياتي في المنطقة؛ ما جعل إيران أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، فيما صدّرت إيران النفط إلى إسرائيل، بالإضافة لعلاقاتٍ اقتصادية شملت التصنيع الحربي في بعض جوانبها.
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، انقلبت العلاقة بين الدولتين نحو العداء المتصاعد. ولكن، على الرغم من مسار العداء بينهما، حافظت الدولتان على اتصالات سرية حين تعلق الأمر بمصلحتهما؛ فخلال الحرب العراقية الإيرانية، استوردت طهران أسلحة وإمدادات عسكرية من إسرائيل في عمليات سرية شاركت فيها إدارة ريغان، عرفت بقضية "إيران كونترا" في عام 1986، ويشير البعض إلى تواطؤ إيراني مع إسرائيل في ضرب المفاعل النووي العراقي، في تموز/ عام 1981.
تطور الصراع بين الدولتين في سياق تطوّرات الشرق الأوسط، إذ حدّدت إسرائيل خطوطها الحمر التي لن تسمح لطهران بتجاوزها، وهي: منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتعطيل حصول "حزب الله" على الصواريخ، ووقف التوسُّع والوجود الإيراني وتمدده في المنطقة المتاخمة لإسرائيل، ومنها سوريا ولبنان. وفي ظل تسارع وتيرة إنجاز البرنامج النووي الإيراني، وتزويد إيران حليفَها اللبناني حزب الله بأسلحة استراتيجية، استنفرت تل أبيب لمواجهة الطموحات الإيرانية، والتي باتت تصفها تل أبيب، في شقها النووي، بالخطر الوجودي على إسرائيل.
تعتمد تل أبيب سياسة "الحرب بين الحروب" في ضرب مراكز القوة الإيرانية في سوريا، وتعتمد ما يشابهها في عملياتها السرية ضدَّ المنشآت النووية الإيرانية، والتي تتزامن مع المسار السلبي لإيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وانتكاسة المفاوضات الجارية مع دول خطة العمل الشاملة المشتركة، ما يجعل تل أبيب تقطف الثمار السياسية لهذا المسار المضطرب لصالح عملياتها، وتأمل في الوقت نفسه قطف الثمار النهائية لانهيار لم يعد مُستبعَداً في مفاوضات فيينا النووية.
في ظل الحرب الإعلامية المشتعلة، وحروب الظل بين الدولتين، لم يُعد مستبعداً خروجها للعلن على أثر ضربة توجهها تل أبيب لمواقع إيرانية خاصة بالبرنامج النووي والقدرات الدفاعية الصاروخية، ومن ثمَّ الانتقال لمواجهة ردة الفعل الإيرانية عبر وكلائها وفي مقدمتهم حزب الله.
تخلت واشنطن عن معارضتها الشديدة لخطط تل أبيب باللجوء للخيار العسكري لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما ظهر من عدم إبداء مسؤوليها أي رد على الطرح الذي قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فيما لم تتجاوب واشنطن مع طلب غانتس، بتزويد تل أبيب بطائرتين تزودان بالوقود من أصل ست طائرات تم التعاقد على شرائهم من واشنطن، يتم تسليمهم عام 2023، كذلك أجرى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان زيارة إلى تل أبيب، تقع في إطار التنسيق المشترك للدولتين لمواجهة النووي الإيراني.
ورغم غياب التفاهم التام بين تل أبيب وواشنطن، إلّا أنَّ ما يثير الأخيرة عدم ضمان ألّا تذهب إسرائيل لعملية عسكرية منفردة تجاه إيران، في ظل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، عدم وضع أي اعتبار لأي اتفاق قد تتوصل له الأطراف في فيينا، باعتبار إسرائيل ليست طرفاً فيه.
بالرغم من العداء الشديد الذي يحكم العلاقة بين تل أبيب وطهران، إلّا أنَّ أهم ملامح هذا العداء وجود ضوابط تحجِّمه، بالإضافة لبراغماتية الدولتين التي لا تنفي التعاون بينهما حيثما وجدت المصلحة. وفيما يتحاشى الطرفان المواجهة المباشرة بينهما؛ نظراً لنتائجها الكارثية عليهما، تستمر إيران في توظيف علاقاتها بالتنظيمات المسلحة وتوسيع نطاقها الجغرافي، مع برنامجيها النووي والصاروخي، ما جعلها تطأ الخطوط الحمر الإسرائيلية، ولم يعد باستطاعة تل أبيب إلا الرد؛ حتى لا يميل ميزان القوى بين الجانبين لصالح طهران، في منطقةٍ ضاقت عن المشاريع التوسعية المرسومة لها.