الطريق- عمار جلو
أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي على البحر الأسود، يوم الجمعة الفائت، محادثات هي الأولى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، تناولت الوضع السوري والملف النووي الإيراني، استهلها بوتين بالقول: "هناك العديد من القضايا الإشكالية، ولكن هناك أيضاً فرصة للتعاون خاصة في مكافحة الإرهاب"، فيما اعتبر بينيت مضيفه الروسي "صديقاً حقيقياً للشعب اليهودي"، في مسعى للسير على خطى سلفه بنيامين نتنياهو من خلال بناء علاقات شخصية مع عرّاب المنطقة حالياً، لتفكيك ما يجب تفكيكه في العلاقات المتشابكة بين البلدين، وقد أتى مسعى "بينيت" أُكله؛ إذ تلقى اتصالاً من بوتين قبل مغادرته سوتشي يشكره فيه على اللقاء، ويدعوه إلى زيارة ثانية إلى روسيا.
عن فحوى الزيارة، صرَّح بنيت بالقول "علاقتنا مع روسيا مميزة جداً، ومبنية على العلاقات العميقة بين البلدين، سنبحث الأوضاع في سوريا والجهود لصد البرنامج النووي العسكري الإيراني، وتعزيز التجارة" فيما أضاف بعد المحادثات واصفاً الرئيس الروسي بأنه "كان جيداً جداً ومتعمّقاً جداً"، مشيراً إلى أنَّ الروس قد "أصبحوا جيراننا في حدودنا الشمالية"، مضيفاً قبل إقلاع طائرته بأن روسيا ركيزة أساسية في سياسة إسرائيل الخارجية، بسبب مكانة روسيا الخاصة في المنطقة ومكانتها الدولية.
ذكرت مصادر في تل أبيب توصل الطرفين لحل الخلافات الناجمة عن الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية والمليشيات الدائرة في فلكها في سوريا، والتي تعتبرها موسكو تخريباً لجهودها لفرض الاستقرار في سوريا، لذا تعهد بينيت بإعطاء الروس "معلومات أكثر دقة وفي وقت أطول قبل تنفيذها" كما تعهد بإبعاد الضربات عن البنى التحتية ورموز النظام السوري، وهو ما أعاد الاتفاق على مواصلة الطرفين العملَ على إبعاد ميليشيات حزب الله والمليشيات الإيرانية الأخرى عن الحدود الإسرائيلية. من جهته وافق الرئيس الروسي على استئناف عمل لجنة التنسيق العسكرية بين البلدين، مع تقديم مقترح روسي "لإقامة طاقم مشترك لمواجهة خطر الطائرات المسيّرة التي باتت تشكل تهديداً على المنطقة برمتها".
حققت زيارة بينيت إلى موسكو أهدافها بالشق السوري، فيما بقي الجانب الروسي على موقفه الرافض لأي عمل عسكري يستهدف المشروع النووي الإيراني.
ختم اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بنظيره رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، اللقاءات الفيزيائية مع المسؤولين الأجانب مع التوجه الروسي لبدء تطبيق الإجراءات التي فرضتها موسكو لكبح انتشار جائحة كوفيد ١٩ .
بعد العودة الروسية إلى الساحة الدولية كأحد الفواعل الدولية، شهدت موسكو العديد من الزيارات القادمة من رؤساء ورؤساء دبلوماسية بلدان الشرق الأوسط، وربّما تخطت موسكو الوصف الأوبامي لها بـ"الدولة الإقليمية" التي نتجت عن سنوات الانهيار السوفيتي العجاف وتداعياته، واللافت بالأمر أن من وصفها بهذا الوصف هو من أسهم بسياسته الرخوة، في مواجهة التدخل العسكري الروسي في البلقان والقرم وسوريا، إلى عودة روسيا الفاعلة المؤثرة على الخريطة الدولية مجدَّداً من البوابة السورية حصراً، وهي البوابة التي صاغت تفاهماً إسرائيلياً روسياً وجدت فيه تل أبيب مصداقية أعلى من المصداقية الأمريكية. وفيما تبدو العلاقة الروسية الإسرائيلية في مرحلتها الحالية ضمن السياسة البراغماتية التي يأمل من خلالها الطرفان تحقيق مصالح ذاتية ومشتركة، إلا أنها تسير بخطى مدروسة لبناء علاقة قوية ومتوازنة رغم الخلافات القائمة بين الطرفين في منطقتي البلقان والقوقاز، وهو ما أشار له بينيت خلال زيارته الأخيرة بالحديث عن المتكلمين بالروسية في إسرائيل، وما يمكن أن يسهموا به في تعزيز العلاقة بين الجانبين، وهو ما تجسَّد بتولي وزير الإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، مهمة الترجمة خلال اللقاء.
جاءت زيارة بينيت بعد أيام من زيارة قام بها رئيس أركان الجيش الإيراني العميد محمد باقري، إلى موسكو، في محاولة لحل عقدة تسليم الطائرات العسكرية الروسية إلى طهران التي طلبتها في العام الماضي، فيما تضع موسكو عراقيل في وجه تنفيذ الصفقة؛ وآخرها تزويد الطائرات بأنظمة دفاعية فقط، رافضة تزويدها بالأنظمة الهجومية ومتذرعة بأن هذه الأنظمة تحتوي قطعاً أمريكية، إلا أنَّ العراقيل الروسية قديمة ومتكررة في هذا الشأن و خاصة ما يتعلق منها بمنظومة S400 ، وتنبع جميعها من المخاوف والفيتو الإسرائيلي، إضافة للمخاوف الروسية من تمرير طهران بعض مشترياتها من الأسلحة الروسية للمليشيات المؤتمرة بأمرها في لبنان والعراق وسوريا، ممَّا يشكل تهديداً لإسرائيل وينسف حالة من التوازن تسعى موسكو لضبطها بين طهران وتل أبيب، ويمنع انزلاقها لحرب تنسف كلَّ المكتسبات الروسية في المنطقة.