الطريق- عمار جلو
شاركت الإمارات العربية والبحرين، إلى جانب إسرائيل في المناورات العسكرية التي أجرتها القوات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، في العاشر من هذا الشهر. تأتي المشاركة الإسرائيلية كإحدى نتائج ضمها إلى القيادة المركزية (الوسطى) للقوات الأمريكية، بعد أن تم نقلها إليها، وكانت قبلها منضوية تحت قيادة القوات العسكرية الأمريكية في أوربا، وهو الإجراء الأخير الذي قام به الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في مساعيه الرامية للضغط على إيران، وقد سارت الإدارة الحالية على هذا الإجراء بعد أن عبّدت لها اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية طريقاً لذلك، وهو إجراء يتوافق مع رغبة إسرائيلية قديمة وحاجة أمريكية جديدة، ورضا ضمني من دول الجوار نتيجة الحاجة إلى مشروع دفاع إقليمي، في ضوء التهديدات التي تتعرض لها دول المنطقة.
فشلت المنطقة على مدار العقود السابقة في بناء مشروع دفاع إقليمي يعزز من قدراتها الدفاعية ويحمي مشاريعها السياسية والاقتصادية، باستثناء النجاح المقبول لمجلس التعاون الخليجي في مجال التعاون الأمني، والذي أثبت تماسكه حتى في ظل سنوات المقاطعة الخليجية لدولة قطر، فيما سقطت جميع المشاريع الأخرى، إذ تم إجهاض المشروع الذي تقدمت به مصر إلى جامعة الدول العربية عام 2015، وبقي التحالف الإسلامي الذي تم إعلانه في العام نفسه حبراً على ورق، فيما وُلِد تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ميتاً؛ نتيجة تباين رؤى الدول المعنية فيه تجاه العدو المشترك؛ إذ تعتبر السعودية والبحرين والإمارات أن إيران هي العدو، وتخالفها في ذلك دول الكويت وعُمان وقطر، وتجنح الأردن ومصر لاعتباره مشروعاً لخلق عداوات لا مبرر لها، بالإضافة لخدمته للمصالح الأمريكية عموماً ومصالح ترامب الانتخابية خصوصاً.
قدم الاتحاد الروسي مشروع دفاع إقليمي من خمس نقاط لم تلقَ تجاوباً إلا من قبل طهران، تم تعديله لاحقاً بتعديل اللفظ الفارسي الوارد لـ"الخليج"، كما تم لحظ المخاوف العربية الناجمة عن المشروع الصاروخي الإيراني، إلا أنه بقي متجاهلاً من قبل دول المنطقة، إذ أن نجاحه الإقليمي مقرون بما يحققه من نجاح على ضفتي الخليج العربي/الفارسي، وما يعتريه من قصور في هذا الجانب؛ إذ تتباين الرؤى لدول الخليج العربي/الفارسي حول مشاريع الدفاع الإقليمي للمنطقة؛ فطهران تسعى لإخراج أي طرف أجنبي من هذه المشاريع حتى يتسنى لها الاستفراد بقرار المنطقة، فيما ترغب دول الخليج تحديداً بإشراك قوة فاعلة توازي القوة الإيرانية وتمنع سيطرتها على مقدرات الدول المشيخية، وترى هذه الدول في الولايات المتحدة تلك القوة من دون الصين وروسيا، حيث إنَّ بكين ترسم سياساتها الاستراتيجية على ضوء تعاملاتها التجارية وتحجم موسكو عن تنفيذ ما هو خارج بنود أي اتفاق، وهو ما لا يتناسب مع الدول الخليجية.
بالعودة إلى المناورات التي تم إجراؤها، قالت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية: إنَّ التدريب يستهدف تعزيز القدرة على العمل الجماعي بين القوات المشاركة في المناورات، وهو ما ترغب واشنطن برؤيته نتيجة لرغبتها بتقليص التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة ودولها، والمعروفة بعقيدة الرئيس جيمي كارتر، التي تقضي بقيام الولايات المتحدة بحماية أمنها وحلفائها في الخليج.
أنهى الاتفاق النووي الإيراني بالعام 2015 عقيدة كارتر، إذ ترك الاتفاق المذكور دول المنطقة مكشوفة أمام البرنامج الصاروخي الإيراني، ولم يقدم خليفة أوباما ونقيضه شيئاً يخالف سلوك سلفه؛ إذ لم يتجاوز رد فعل إدارته على الهجوم الذي تعرضت لها المنشآت النفطية السعودية حدود الإدانة اللفظية، ودون توجيه الاتهام حتى للدولة المنفذة. ومع التوقيع على اتفاقية الانسحاب من أفغانستان وتنفيذها المتسارع من قبل خليفته الرئيس الحالي جو بايدن، توطدت القناعة لدى دول الخليج بالاعتماد على الذات لحماية أمنها في مواجهة التحديات التي تعترضها، ما جعلها في موقع جوار مع الجانب الإسرائيلي الذي يتشارك معها بالهاجس الإيراني، إذ فرضت التدخلات الإيرانية واختراقها دولَ المنطقة من خلال العامل المذهبي، ثمَّ إنتاجها دويلات داخل الدولة، هذا التقارب.
يخدم هذا التقارب أطراف العلاقة الثلاثية، الأمريكي والعربي والإسرائيلي، فبالرغم من السعي الحثيث للإدارة الأمريكي للانسحاب من المنطقة وإعادة تموضعها في مناطق تخدم استراتيجيتها الحالية بمواجهة الصين، إلّا أنّها غير راغبة بترك المنطقة - وما تحتويه من مصادر للطاقة وممرات بحرية أو طرق إمداد - عرضةً لتمدد الروسي أو الصيني إليها، ويشترك الجانبان العربي والإسرائيلي بالهاجس الإيراني الناجم عن مشروعها التوسعي في المنطقة، الذي تبتلع من خلاله دولاً وتطوِّق أخرى، ولا ترغب إسرائيل برؤية نفسها مطوقة بدول أو مليشيات تدور في الفلك الإيراني في ظل صراع الدولتين على النفوذ في المنطقة، في الوقت نفسه الذي تسعى فيه للعب دور في المنطقة التي تعتبر نفسها تنتمي إليها، مستفيدة من المخاوف المشتركة التي تجمعها مع جوارها العربي وحاجة الأخير إلى تحالف دفاعي إقليمي، وهو ما توفره لها المظلة الأمريكية بقيادتها العسكرية الوسطى.
لم تقدم الوعود الممنوحة من قبل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن في مؤتمر حوار المنامة، قيمة جدية للقادة الخليجيين الباحثين عن اتفاق وليس وعوداً تذروها الرياح وتصب في خانة الضغوط الأمريكية للوصول إلى إحياء الاتفاق النووي؛ لذا توجهوا لافتتاح مقر القيادة العسكرية المشتركة لمجلس التعاون الخليجي في مدينة الرياض بعد نهاية مؤتمر المنامة، وسوف تتسارع خطواتهم لبناء تحالف دفاعي إقليمي على ضوء الانسحاب الأمريكي المزمع من العراق ومآلات المفاوضات النووية في فيينا، بالإضافة لتطورات الحرب في اليمن وضبابية الموقف الأمريكي تجاهها، ولا يبدو أنَّ هناك ما يمنع الدول الخليجية في الظروف الحالية من دخولها في تحالف مع إسرائيل لمواجهة التغول الإيراني، وتأتي المناورات المشتركة لبعض دول الخليج إلى جانب إسرائيل مقدمات لهذا التحالف.
في غنىً عن ضوضاء الخطاب القومجي الممانع، والذي لم يُورث المنطقة العربية إلا الاستبداد والهزائم في طريقه لتحرير فلسطين، وكذلك الخطاب الإسلاموي الذي صبَّ جام تطرفه بدمائنا في طريقه لتحرير الأقصى، تبدو الدول الخليجية قد خطت مسارها في الدفاع عن كياناتها بالتحالف مع عدو الأمس.