الطريق_ عمار جلو
فتحت الزيارةُ التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق، ولقاؤه سفاحَها، بابَ التساؤلات والمخاوف حول فحوى الزيارة وأهدافها، في ضوء ما يُشاع عن قرب عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
هبطت طائرة الوزير الإماراتي في دمشق، وهبطت معها كوابيس إعادة تعويم النظام من بوابة الجامعة العربية بعد عقد القطيعة العربية، حيث تمَّ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية إثر الجرائم التي قام بها نظام بشار السفَّاح في مواجهة الشعب السوري المطالب بالحرية عام 2011.
انضمت الإمارات العربية لمجموعة أصدقاء سوريا وعملت على دعم القوى المطالبة بإسقاط الأسد، ضمن محور سعودي قطري تركي، انشق على نفسه لاحقاً نتيجة تباين رؤى دولِه، وبقيت أبو ظبي ضمن الخط المناهض لنظام الأسد حتى عام2018، رغم تماهيها مع شخصيات سياسية واقتصادية محسوبة على نظام الأسد، ثمَّ بدأت الإمارات المتحدة بالاستدارة على سياساتها السابقة بعد توقف معارك الحُديدة على وقع الضغوط الدبلوماسية المُمارسة عليها.
في تناقض لسياساتها السابقة بضرب الحوثيين كأحد الأذرع الإيرانية في المنطقة، أعلنت أبو ظبي عن افتتاح سفارتها في دمشق نهاية عام 2018، ممَّا أوقعها تحت التأنيب الترامبي، وخلال شهور الجائحة العالمية فتحت الإمارات باب السياسة الإنسانية لتبرير سلوكها، إذ أجرى الحاكم الفعلي للإمارات المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان اتصالات مع الأسد وروحاني؛ عارضاً الخدمات الإماراتية لمساعدة البلدين في مواجهة الجائحة، وحطت طائرتان تحملان المساعدات الطبية في طهران كترجمة لهذا الاتصال الإنساني المولود على أنغام أحداث الفجيرة، إذ عمّقت التفجيرات التي تعرضت لها بعض السفن في ميناء الفجيرة من القناعة الإماراتية بعدم الركون للغطاء الصوتي الترامبي المتعلق بأمن الخليج ودوله، بعد تمزق الغطاء الأمريكي بسكاكين الاتفاق النووي.
مع أحداث الفجيرة تلقت الإمارات تهديداً إيرانياً، يقول: "ضربة إيرانية واحدة تدمِّر اقتصادكم" وهو ما أثار مخاوف الإمارات التي تبني سياستها على التجارة والاستثمار، وعلى مكافحة الإرهاب في مقصد إماراتي يشير إلى الإخوان وحلفائهم، لذا فإنها ترى في السلطة القابضة على دمشق شريكاً جِدياً في هذه الساحة، إضافة لساحة مناهضة النفوذ التركي في سوريا والمنطقة، وهو ما جمع الجانبين بدايةً.
تفتح عقود إعادة الإعمار المتوقعة في سوريا، شهية الإمارة الطموحة، لذا تسارع أبوظبي لحجز مقعد لها في هذا الحقل، على اعتبار أن الحرب في سوريا قد حُسمت لصالح النظام، ودُفنت كلُّ الأصوات المنادية بالإطاحة بالأسد بعد الانخراط العسكري الروسي في الصراع السوري وما فرضه من قلب لموازين القوة على الأرض السورية.
قلبَ التدخل الروسي موازين القوة لصالح النظام، إلا أنَّه بقي عاجزاً عن فرض الحل النهائي في سورية، فالحل النهائي يحتاج الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، وفي هذا السبيل تفرش موسكو الورود في طريق التواصل بين أبوظبي ودمشق، ضمن تنبؤ روسي أن دخول "أبو ظبي" في إعادة إعمار سوريا سيجر أقدام الدول الخليجية إلى الوليمة السورية، كما تنظر روسيا للجانب الإماراتي على أنه شريك محتمل لمواجهة النفوذ التركي في سوريا، فيما ترى الإمارات المتحدة أو يتراءى لها أن علاقة مع دمشق تفتح نافذة في جدار العزلة المفروضة على الأسد وما تفرضه من الارتماء في الحضن الإيراني.
تنسى الإمارات أو تتناسى، أن معادلة "الحضن العربي" البديل عن الحضن الإيراني هي تعبير عن جِماع سياسي منحدِر أخلاقياً، ومنحدِر تكتيكياً واستراتيجياً، بعد أن رفع الأسد الصغير عمامة الولي الفقيه على مآذن دمشق العروبة، في استمرار وانحدار لسياسة الأسد المورِّث الذي بنى تحالفه مع طهران على أسس مواجهة الشقيق العربي والبعثي أيضاً، في عراق صدام حسين سابقاً.
جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، بعد أسابيع من الاتصال الهاتفي الذي تلقاه ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان من جزار الشام، ناقشا فيه علاقة البلدين وسبل تطويرها، وهذا مثار استفهام في ظل العلاقة المقطوعة بين البلدين!. كذلك الحديث عن البُعد الإنساني لزيارة بن زايد إلى دمشق يُعدّ مثارَ استفهام وغموض بعد لقائِه الأسد؛ إذ غالباً ما تفترض الأعراف الدبلوماسية اللقاءات بين النظراء، إلا في حال حمل الوزير رسائلَ تحتاج الإجابة عنها من رأس السلطة، وهنا تُثار تساؤلات أخرى تتعدى فحوى الرسالة ومضمونها لتمتد إلى جهتها، وهل هي مقصورة على الجانب الإماراتي أم تتعداه إلى دول أخرى، في ضوء مياعة المواقف السياسية لبعض الدول العربية تجاه عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ووضوحها لدى البعض الآخر؟
رغم نفي الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، تلقيه أي طلب رسمي أو شفهي بخصوص عودة دمشق إلى مقعدها ضمن المنظمة الإقليمية، معتبراً أن الأمر مقرون بتوافق عربي غائب في الوقت الحالي، حيث فشلت الجزائر في العام الماضي بتأمين هذا التوافق لكنها تسعى لتحقيقه قبل اجتماع القمة القادم في مارس ٢٠٢٢، مستفيدة من المتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية، وقد صرّح وزير الخارجية الجزائري، صبري بو قادوم، أنَّ "غياب سوريا تسبب بضرر كبير للجامعة والعرب" وهو ما وافقه عليه لاحقاً، وزيرُ الخارجية الإماراتي خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث قال: "إنَّ عودة سوريا إلى محيطها العربي، لابدَّ منه، وفي مصلحتها ومصلحة دول أخرى في المنطقة" محمِّلاً مسؤولية العزلة السورية لقانون قيصر الأمريكي.
"إنَّ الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا لاتزال قائمة" بهذه العبارة ردَّ وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، على تصريحات نظيره الإماراتي ربيع هذا العام، غير أن الصفقات والمقايضات السياسية تُعقد في العتمة وتظهر آثارها بعد سطوع الضوء، لذا يجب النظر إلى زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق كحدث له امتداده وتداعياته، وأقلها تتابع دول أخرى لخطوات مشابهة في ظل التغافل الأمريكي عن تفعيل مخالب قانون قيصر.