الطريق- عمار جلو
لعبت فجوات اتفاقية سايكس بيكو، وطموحات الأمير عبدالله بن الشريف حسين، دوراً مركزياً في تشكل إمارة شرق الأردن. ورغم الطموحات الكبيرة للأمير عبدالله، إلا أنَّ الإمكانيات الضعيفة للإمارة والمناكفات السعودية/ المصرية حجّمت كثيراً من تلك الطموحات، وبلورت الإمكانيات الهشة للإمارة حينها، والمملكة لاحقاً، باعتماد سياسة أقرب للحياد الإيجابي تجاه جميع قضايا المنطقة. ولم يتم كسر تلك القاعدة إلا بالوقوف إلى جانب العراق إبَّان عملية غزو الكويت، وكذلك بالوقوف ـ ولو متأخراً ـ إلى جانب الثورة السورية ضدَّ نظام يمارس الإرهاب على شعبه وجيرانه.
تفسيرات كثيرة للزيارة التي قام بها الملك الأردني، عبدالله بن الحسين، ومخاوف من أن تكون بداية تعويم لنظام الأسد عربياً، لا سيما مع استخدامه تعبيراً يتأرجح بين الديمومة الزمنية والشرعية السياسية في مقابلته مع قناة (cnn) ، إلا أنَّ أمراً بنيوياً غاب عن هذه التفسيرات والمخاوف؛ يتمثل بقصور في الدائرة المحيطة بالملك التي لم تقدم لعاهلها النصيحة بعدم طرح أي مبادرة يفتقر الأردن للإمكانات والوسائل اللازمة لتنفيذها؛ ممَّا يؤدي بصاحبها للحرج، واقتصار الطرح على استثناء الأردن من قيود قانون قيصر لما لهذا القانون من تأثير على الاقتصاد الأردني، الهش بطبيعته، وهو جوهر ما تسعى إليه المملكة؛ بعد طول الأمد الذي آلت له القضية السورية وغياب بوادر حل جدي لها.
إلى جانب العامل الاقتصادي، هناك هاجس أمني ديمغرافي يثير المملكة، نابع من تخوفاتها من حلول لقضايا الشرق العربي على حسابها، خاصة في موضوع اللاجئين، وهو بذرة الطرح الإسرائيلي سابقاً بدفن حق العودة الخاص بالفلسطينيين في التربة الأردنية، والعمل على توطينهم فيها.
لا تسعى المملكة لأيِّ دورٍ قيادي للحل في سوريا أو لترؤس حملة تعويم النظام عربياً، وبدلاً من دور قيادي في سوريا يميل العاهل الأردني إلى هذا الدور في الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي؛ لما لهذا الدور من رفع شعبية الملك لدى شعبه وخاصة الفلسطينيين منهم، ولعلَّ ذلك ما أشارت له جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض بالقول: "إنَّ الزيارة ستكون فرصة لمناقشة الكثير من التحديات التي تواجه الشرق الأوسط، والتأكيد على الدور القيادي للأردن في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة". ونتيجة لإغلاق الملف السوري وحله في وجه الدول الإقليمية، واحتكاره من الفاعليَن الدولييَن، لا مانع من إسناد أدوار أقل شاناً للمملكة في الوضع السوري، ومنها التفاوض مع النظام السوري في مشروع تزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية.
تأتي الزيارة التي قام بها العاهل الأردني إلى روسيا؛ لتراكم الهواجس، لا سيما مع الحصار الذي تتعرض له مدينة درعا ومحاولة قوات النظام والمليشيات الإيرانية اقتحامها، وهي زيارة رأى فيها الدكتور بدر الماضي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية، نجاحاً للدبلوماسية الأردنية في الشأن السوري خاصة بعد زيارة وزير الخارجية التركي، جاويش مولود أوغلو، إلى الأردن، لذا رفع الماضي من سقف توقعاته بالاعتقاد أنَّ "الملك سيحمل معه خارطة طريق تتعدى موضوع درعا إلى الأزمة السورية بشكلٍ عام " إلا أنَّ الماضي عاد ليخفض من هذه الطموحات بتشديده على أنَّ "اللقاء المرتقب سيؤدي إلى الضغط على النظام السوري عبر علاقاته مع موسكو، للحد من وصول المليشيات الإيرانية إلى الحدود الأردنية" ، وهي مخاوف أردنية معتبرة لدى الساسة في موسكو، مع الاستثمار الذي يمارسونه بالحدث الدرعاوي لتوجيه رسائل إلى الجانب الإسرائيلي، سواء لجانب العلاقات الإسرائيلية/ الأوكرانية أو لتأثير الهجمات الإسرائيلية في سوريا على الدعاية الروسية في ترويج أسلحتها، وربما ترغب موسكو بتغيير قواعد اللعبة مع الإسرائيليين في سوريا.
أدلى العاهل الأردني بتصريحين متماثلين في المضمون، عن دولتين مختلفتين في التوجه والمصالح، إذ حذر الملك عبدالله من "عواقب وخيمة" لغياب جهود موحدة وجادة للوصول إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، مشيراً " إلى الدور المحوري للولايات المتحدة في تعزيز الاستقرار في المنطقة " وهو ما كرره تجاه روسيا بالقول " إنَّ روسيا تقوم بالدور الأكثر دعماً للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات بسوريا".
كلا التصريحين يمثلان جوهر السياسة الأردنية المتناغمة مع الفرقاء، وقبول الفرقاء لهذا الدور الأردني واستخدامه أيضاً لإيصال رسائل بين الخصوم أحياناً، مراعاةً منهم لظروف المملكة وإمكانياتها، وهذا ما أشار إليه الباحث في المركز العربي في واشنطن، غريغوري افتاندليان بالقول: " لحسن حظ الأردن، فإن الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة لاتزال ترى أنَّ المملكة ذات أهمية كبيرة بحيث لا يمكن إفشالها".