الطريق- عمار جلو
أعادت تفجيرات ميناء الفجيرة الإماراتي في ربيع عام ٢٠١٩ إلى الأذهان، حرب الناقلات التي اشتعلت في مياه الخليج والبحر العربيين على إيقاع الحرب الدائرة بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي، في محاولة وسعي كل منهما لحرمان الطرف الآخر من الإمداد أو الاستفادة من عائداته النفطية، وهو ما استلهمته إسرائيل حالياً في محاولة منها لضرب النفوذ الإيراني ومنع طهران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، فبادرت منذ عام ٢٠١٩ لاستهداف السفن الإيرانية المحملة بالنفط أو السلاح والذخيرة وضربت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة إيرانية خلال الأعوام المنصرمة، كان أهمها السفينة "ساويز" الراسية في البحر الأحمر ضمن وظيفة عسكرية، وهو ما منع إيران من توجيه الاتهام لإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية لتجنيب نفسها الرد على هدف عسكري، فيما قامت إيران بالرد بداية في فبراير/ شباط الماضي باستهداف السفينة الإسرائيلية "ام في هيليوس راي" التي ترفع علم الباهارما قبالة سواحل عُمان في طريقها إلى الهند قادمة من تنزانيا، وقبالة هذه السواحل أيضاً تم استهداف السفينة "ميرسر ستريت" المملوكة لليابان والمدارة من قبل شركة "زودياك ماريتام" الإسرائيلية، يوم الخميس الفائت، لتضيف فصلاً جديداً من فصول الصراع الدائرة بين العدوين الإقليميين، إيران وإسرائيل، ضمن ضوابط عدم الانزلاق بهذا الصراع إلى الحرب المفتوحة أو الوقوف على عتبتها، وهو ما يفسر التراجع الإيراني عن تبني العملية بعد أن أذاعت قناة العالم يوم الجمعة الفائت أنها جاءت رداً على استهداف إسرائيل لعناصر تابعة لإيران تتمركز في مطار الضبعة السوري. بعدها أُعلن عن مقتل شخصين من طاقم السفينة أحدهما يحمل الجنسية البريطانية وهو ما يستدعي رداً بريطانياً خلافاً لما درجت عليه السياسة البريطانية في استبعاد العمل العسكري على احتجاز السفينة التي ترفع العلم البريطاني من قبل الحرس الثوري الإيراني عام ٢٠١٩ ، وهذا ما صرح به وزير الخارجية البريطاني، دومنيك راب، أن " لندن تعمل مع شركاء دوليين على رد متفق عليه على إيران بشأن الهجوم على ناقلة النفط ميرسر ستريت " و أضاف قائلاً: " من المرجَّح بشدة أن تكون إيران قد هاجمت ناقلة "ميرسر ستريت" مستخدمة واحدة أو أكثر من الطائرات بدون طيار" في إشارة منه لتعرض الناقلة المذكورة لهجومين منفصلين من قبل طائرتين مسيرتين، وأيد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، فحوى تصريحات نظيره البريطاني بالقول: "الولايات المتحدة بناءً على المعلومات المتاحة واثقة من أن إيران وراء الهجوم الأخير على ناقلة النفط الإسرائيلية" فيما حاول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، خطيب زاده، نفي التهم الموجهة إلى بلاده باعتبارها "لا أساس لها". مضيفاً أنَّ " هذه البيانات المنسقة تتضمن عبارات متناقضة" واتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بدعم إسرائيل من خلال ممارسة الصمت على الاعتداءات الإرهابية الإسرائيلية على سفن تجارية إيرانية في البحر الأحمر والمياه الدولية، في إشارة منه لتعرض ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفينة إيرانية للهجوم من قبل إسرائيل، كانت في طريقها لتوريد السلاح والنفط إلى سوريا. ساندت الخارجية الروسية على لسان مدير الإدارة الآسيوية الثانية فيها، زامير كابون، الموقف الإيراني بالقول :"لا يوجد أدنى سبب للجزم بأنَّ إيران قد تكون ضالعة في الهجوم على ناقلة ميرسر ستريت الإسرائيلية " ولكنها تركت لنفسها خطاً للعودة بالقول " ليس لدينا أدنى سبب للاعتقاد بأن إيران متورطة في الهجوم، حيث لا توجد أدلة وعندما تكون هناك أدلة سنحدد موقفنا" فيما توعد وزير الخارجية الإسرائيلي، يائيد لابيد، بردٍّ قاسٍ على الهجوم، يراه بعض المراقبين أنه سيقع على إحدى السفن الإيرانية، إلا أنَّ ما رشح عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوحي برد أكبر؛ إذ كشف بلينكن عن محادثات مع قادة في المنطقة وخارجها بشأن الهجوم على الناقلة الإسرائيلية، مؤكداً أنَّ الرد "سيكون جماعياً" .
تتصاعد وتيرة الهجمات البحرية بين إيران وإسرائيل على وقع المحادثات النووية بين إيران ودول الـ (5+1) لتفرض بنداً أو تلغي بنداً في هذه المحادثات، إلا أنَّ تصاعد المواجهة البحرية بين إسرائيل وإيران تندرج ضمن الرسائل الموجهة من قبل الطرفين إلى واشنطن، وفق ما أكده محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني، رون بن يشاي، مضيفاً أنه " إذا لم تتم معالجة جذرية للمشاكل بين إسرائيل وإيران فقد يتدهور الوضع نحو حرب مفتوحة " ، ولعلَّ أبرز التصريحات التي جاءت في سياق الحادث وربطها بالمحادثات النووية وسواها من مشاكل المنطقة، جاءت على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في مؤتمرها الصحفي، الإثنين، بقولها: " إنَّ الخطوات الإيرانية تشكل تحدياً وتهديداً في ظل برنامج نووي غير مقيد " مضيفة بالقول:" لإسرائيل حرية اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة " لكن هذه الحرية الإسرائيلية تنقصها الإمكانية لضرب المشروع النووي الإيراني في عقر داره، فهل سيتم تزويد إسرائيل بالقنبلة (خارقة الجبال) من قبل الحلفاء الغربيين؟