الطريق- عمار جلو
تقع العربية السعودية على خطوط الاتهام عند الحديث عن التيارات "الجهادية"؛ نظراً لانخراط الدولة السعودية في دعم الجهاد الأفغاني، إضافة لكونها مركز الدعوة الوهابية التي أحيت الجذور السلفية، فيما تتبنى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفكر "الجهادي" كسياسة دولة للوصول إلى الحكومة الإسلامية التي تحدث عنها روح الله الموسوي الخميني، في كتابه (الحكومة الإسلامية).
اعتبر الخميني في مقدمة كتابه المذكور أنَّ ولاية الفقيه فكرة علمية لا تحتاج إلى برهان، ثمَّ سرد في صفحات لاحقة أدلة على شرعيتها على طريقة السلفية "الجهادية" بـلي عنق النصوص المطعون فيها أصلاً بالنسبة لما اعتمده الخميني الذي وضع خلاصة مفادها أنَّ ما كان للرسول {صلَّى الله عليه وسلَّم} و"للأئمة" من بعده يعود بالحق إلى الفقهاء في زمن الغيبة، رابطاً بذلك بين الولاية والحاكمية للوصول إلى الحكومة الإسلامية التي تحمل في قيامها "سعادة الناس"، وتسعى لإزالة الظلم عن المستضعفين بتدمير الحكومات الجائرة، من خلال مقاطعة مؤسسات الحكومة وترك التعاون معها، والابتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليها، إضافة لتأسيس مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة، وهو ما يعني وجود دولة داخل الدولة، وهي الحالة التي نشاهدها الآن في الدول التي تمددت عليها المخالب الإيرانية، فالشرع والعقل حسب رأي الخميني يفرضان ألا تترك الحكومات وشأنها، فتمادي الحكومات في غيها يعني تعطيل نظام الإسلام وأحكامه، في حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامي بأنه شرك، والحاكم أو السلطة فيه طاغوت، وهي النتيجة نفسها التي توصل لها سيد قطب في كتاب: معالم في الطريق.
واعتبر الخميني نفسه وأتباعه مسؤولين عن إزالة آثار الشرك؛ استناداً لما أسماه بالروح الثورية للإسلام، ومثالها الأعظم لدى الخميني، ثورة الحسين بن علي (رضي الله عنهما).
لم يكن لهذه التخاريف أي قيمة لولا نجاح الثورة الشعبية في إيران، ونجاح الخميني في اختطافها واختطاف الدولة معها، بعد الاستفتاء العاجل على شكل الدولة وما تبعه من دستور أقر الشعوذات الخمينية فيه كمواد دستورية مُوجِّهة للدولة، وفي مقدمتها ولاية الفقيه المنصوص عليها في المواد (٥-٥٧-١٠٧) من الدستور الإيراني، وهو ما ينفي عن الخميني تبريرات الإكراهات التكتيكية التي وقع تحتها ستالين في قيادته للاتحاد السوفيتي، فالبنسبة للخميني لا بناء لحركة إسلامية في بلد واحد إلى أن يتأتى تأسيسها ودعمها في بلدان أخرى اعتماداً على دليل قوة النموذج وعند الضرورة على سلطة الدولة وزرع الفتنة، وهو ما يعطي تفسيراً أعمق للحرب الإيرانية العراقية من كونها حرباً لطرد الغازي فحسب، بل بجعل العراق الجمهورية الإسلامية الثانية في العالم، وهذا لب السياسة الإيرانية المعجونة بالسم الخميني المسمَّى "تصدير الثورة"، وكانت بداياتها بأحداث الحرم المكي، الذي اكتوت العربية السعودية بناره مرتين، أولها على يد جهيمان العتيبي، "الجهادية السنية" عام ١٩٧٩ وثانيها على يد حزب الله الكويتي "الجهادية الشيعية" عام ١٩٨٧) وما تبعها لاحقاً من أحداث الحج وتفجير نفق المعيصم وقتل ما فيه من حجاج بالغاز السام، ضمن مساعي نزع اليد السعودية عن تنظيم مواسم الحج أو توجيه الحجاج الشيعة إلى قُم على أقل تقدير، ومُورِس تجاه السعودية ما مُورِس من قبل تجاه الولايات المتحدة الأمريكية؛ من احتلال للسفارة وقتل موظفيها أو أخذهم رهائن من قبل الحرس الثوري الإيراني أو جناحه المتشدد الذي سمَّى نفسه "حزب الله" ليشكل على غراره أحزاباً أخرى بنفس الاسم في عدد من الدول العربية، من لبنان إلى الكويت حتى السعودية التي تعثرت الولادة فيها بين تيارين: أحدهما تبنى نظرة المرجعية الشيرازية والآخر تبنَّى النظرة الخمينية التي احتضنها نظام الأسد في طريقها للبحث عن منفى. وفي سوريا تم تأسيسها لجماعة الرساليين التي تحولت إلى الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية وذراعها العسكري حزب الله الحجازي. هذا الخلاف الذي أصاب الحركة الشيعية في الحجاز، سيصيب الحركة السياسية للشيعة العرب في أغلب الدول التي تطالها المخالب الإيرانية، ويبدو جلياً على الساحة العراقية الحالية؛ إذ انقسمت المليشيات الموجودة في العراق لمليشيات مرجعية (تتبع المرجعية السيستانية) ومليشيات ولائية (تتبع مرجعية الولي الفقيه) وهي التي تحاول ابتلاع الدولة العراقية على غرار "حزب الله" اللبناني الذي ابتلع الدولة اللبنانية، من خلال فرض إرادته الدائرة في الأجندة الإيرانية، وهو ما ظهر بوضوح فيما يخص وضع القوات الأمريكية في العراق واعتبارها قوات احتلال يتوجب إخراجها، هذه القوات التي عادت للعراق بناءً على تذلل قادة المليشيات الولائية وممثليهم في الحكومة والبرلمان العراقيين عام ٢٠١٤ بعد انسحابها من العراق عام ٢٠١١ ، وبقيت القوات الأمريكية قوات صديقة حتى نهاية عام ٢٠١٩ ومطلع ٢٠٢٠ والعملية الأمريكية التي تم بموجبها تصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس التي وضعت الأمريكان في صفوف الأعداء والمحتلين. ما لبثت مفاوضات فيينا الخاصة بالعودة للاتفاق النووي الإيراني ـ وما تفرضه من عملية عض الأصابع وكسر العظم الذي بدأته إيران في مواجهة الولايات المتحدة ـ أن رفعت من وتيرة أصوات وعمليات المليشيات الولائية العراقية في مواجهة القوات الأمريكية وسفارتها في العراق، وهو ما ينسحب أيضاً على التعنت الحوثي في رفض جميع المقترحات الإقليمية والأممية للحل السلمي للقضية اليمنية، بعد نزول حركة أنصار الله الزيدية اليمنية تحت نير الولي الفقيه، والدوران في بيادر حصاده السياسي.
لا يتسع مقال أو كتاب لإيراد جرائم وإرهاب الحركات الولائية في دول المنطقة، مستهدفةً هذه الدول بذاتها أو دولاً غربية لفرض شروط سياسية تُضاف لجعبة الولي الفقيه؛ كعملية بيروت ضدَّ قوات المارينز الأمريكية والفرنسية عام ١٩٨٣ والتي كانت بيان الإعلان عن ولادة حزب الله اللبناني، إلى اختطاف عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل سورا، في لبنان كحالة ضغط على الحكومة الفرنسية لإطلاق سراح أنيس النقاش المعتقل في فرنسا ضمن فريق إيراني يسعى لاغتيال رئيس الوزراء الإيراني خلال حكم الشاه شاهبور بختيار عام ١٩٨٠.
وقبل ختم الحديث عن الإرهاب الإيراني، لابدَّ من التنويه إلى أن "حزب الله" اللبناني هو من علّم وأورث العمليات الانتحارية لحركات "الجهاد" السني/ "تنظيم القاعدة"، هذه العمليات التي تفتك بدولنا ومجتمعاتنا من طرفي "الجهاديين " السنة والشيعة .
تتربَّع الإمامة على عرش الفكر السياسي الشيعي؛ فقد اعتبرها ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة في القرن السابع للهجرة "أولى مسائل المسلمين " وأقرها الخميني في الدستور الإيراني نهاية القرن العشرين؛ لتبقى وكراً للثعابين المطلقة من قبل الولي الفقيه؛ لابتلاع دول المنطقة، وهذا ما يميزها عن "الجهادية" السنية التي تستغل حالة الفوضى والفراغ للدخول إلى الدولة، فيما تنثر "الجهادية" الشيعية سمومها في الدول القائمة؛ لشلها وتفجيرها لاحقاً.