رأي

ماذا وراء التصعيد الروسي في الشمال السوري؟

الجمعة, 10 سبتمبر - 2021
لم تتلاق روسيا وتركيا بأي ساحة إلا وكانت مصالحهما متضاربة
لم تتلاق روسيا وتركيا بأي ساحة إلا وكانت مصالحهما متضاربة

الطريق- د.باسل معراوي


 لا يخبرنا التاريخ عن أنَّ العلاقات الروسية/ التركية كانت على وئامٍ يوماً ما، منذ أيام الحروب الكبرى بين روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية...ويراه البعض بأنه صراع مصالح لا يمكن أن تلتقي أو تتوافق، ولا علاقة لكون روسيا القيصرية راعية الكنيسة الأرثوذكسية في العالم أو أنَّ الخلافة العثمانية هي التجسيد السياسي للدين الإسلامي؛ إذ استمر الصراع بعد وصول الشيوعيين إلى الحكم في موسكو والكماليين العلمانيين في تركيا...حيث كانت تركيا من أهم دول حلف الناتو المجاورة للاتحاد السوفييتي في القرن العشرين.

تحسَّنت العلاقات التركية/ الروسية قليلاً بوصول الرئيسين أردوغان وبوتين للحكم، لكنها سرعان ما انهارت بأول اختبار أو احتكاك حقيقي نتيجة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا بالعام 2015..ووصلت لحد التهديد بنشوب حرب بين البلدين..

 حصلت تهدئة بعدها بين البلدين، وتمَّ إنشاء مسار أستانة لتنظيم الخلاف بينهما وعدم حدوث صدام مباشر، وكانت الموافقة الروسية على عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون  ضرورية لإنجازهما..

كانت العلاقات الاقتصادية تسير في منحى مختلف عن التوافقات السياسية؛ حيث يملك الأتراك آلاف المشاريع الاستثمارية في روسيا، وبالمقابل توجد استثمارات روسية مهمَّة في تركيا.

كما أنَّ لخطَّي الغاز الروسي، اللذين يمران من تركيا أهميةً كبرى للبلدين؛ إذ إنَّ أحدهما مخصص لتأمين احتياجات تركيا من الغاز، والثاني للتصدير إلى دول أوربا الجنوبية، كما أنَّ تركيا تجني بضع مليارات من عائدات السياح الروس سنوياً.


 لم تتلاقَ روسيا وتركيا بأي ساحة إلا وكانت مصالحهما متضاربة؛ فهما على النقيض في سوريا، وليبيا، وحرب إقليم كاراباخ الأخيرة..

بل إنَّ تركيا أغاظت روسيا باستقبالها الرئيس الأوكراني بأوج الأزمة الأخيرة، وأبدت دعمها للموقف الأوكراني وعدم اعترافها بضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا، وقد زوَّدت أوكرانيا بمعدات عسكرية، منها طائرات تركية بدون طيار تحظى بسمعة جيدة.

كما أنَّ تركيا زوَّدت بولندا (العدو اللدود لروسيا) بطائرات البيرقدار؛ وهو ما أزعج روسيا كثيراً.

 ولم تكن روسيا راضية كثيراً عن إنشاء تركيا خطاً دفاعياً فولاذياً في محافظة إدلب، وبوجود قوات تركية عسكرية نظامية إلى جانب فصائل سورية مدعومة من أنقرة..

كان مفهوماً أنَّ التصعيد الروسي منذ آذار الماضي على جبل الزاوية يهدف إلى أمرين اثنين:

أولهما دفع القوات التركية للانسحاب من جانبي طريق حلب/ اللاذقية الذي يمر جزء هام منه من محافظة إدلب الخارجة عن سيطرة قوات النظام، والقبول بالقراءة الروسية لاتفاق التهدئة الذي وقع بين الرئيسين التركي والروسي بموسكو بـ 5 آذار 2020..وهذا ما لم يحصل رغم ارتكاب العديد من المجازر.

وثانيهما دفع أنقرة للقبول بمرور المساعدات الأممية التي يتم تسليمها للنظام؛ بالمرور عبر خطوط القتال الداخلية إلى المناطق المحرَّرة ..وقد تم ذلك عبر افتتاح معبر ميزناز معارة الذي يربط بين مناطق سيطرة الطرفين.

 أمَّا التصعيد الروسي خارج جبل الزاوية والوصول أمس لارتكاب مجزرة بمدينة إدلب وقبلها عدة اعتداءات بمناطق غصن الزيتون ودرع الفرات عبر الوكلاء وتارة عبر قوات النظام ــ أغلب الاعتداءات بواسطة قوات "قسد" التي تحتل جيباً من القرى في ريف حلب الشمالي أو عبر "قسد" التي تتواجد في محيط مدينة الباب وجرابلس. وكان القصف الروسي المباشر لقاعدة عسكرية تتبع لفيلق الشام في منطقة عفرين، وسبقه استهداف النظام لمحيط قاعدة تركية بجبل الزاوية، أعقبه صواريخ تركية تحذيرية لطائرة عسكرية روسية في سماء إدلب ــ فهو يدلّ على وصول التفاهمات الروسية/ التركية المستقبلية إلى طريق مسدود.

 ولا يخفى عن الروس التطور الإيجابي الكبير الذي طرأ على العلاقات التركية/ الأمريكية بعهد الرئيس بايدن (على خلاف ما كان متوقعاً) وتجلّى ذلك بلقاء قمة تركي/ أمريكي على هامش قمة الناتو الأخيرة في بروكسل.

ما رشح عن القمة ويمكن مشاهدة انعكاساته على الأرض، وفي ظل انسحاب أمريكي من البر الأفغاني والعراقي والسوري (قريباً) هو تفويض أنقرة بمهام وأدوار جديدة وعلاقات أكثر رسوخاً؛ تجلى ذلك بالتفويض الأمريكي لأنقرة ــ وبموافقة حركة طالبان ــ بالإشراف على تأمين وتشغيل مطار كابل. ولن يكون عصياً على الفهم التوقع بأنَّ السلاح الأمريكي الهائل الذي وقع بأيدي طالبان سيكون تحت العين التركية صيانةً وتشغيلاً، وربما توجيهاً.

 وتدرك موسكو أنَّ أيَّ تقارب بين أنقرة وواشنطن؛ سيكون على حساب تباعد أكثر بين أنقرة وموسكو، وهو الأمر الذي جعل مسؤولاً عسكرياً روسياً يصرِّح بأنَّ صفقة ثانية من صواريخ S400 في طور الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليها، ما أدَّى إلى قيام مصدر تركي رسمي  بتكذيب الخبر؛ معللاً ذلك بأنَّ إعلان هكذا أخبار كاذبة يهدف إلى توتير العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

 ما تخشاه موسكو من تنسيق عالي المستوى بين أمريكا وتركيا، هو الموافقة لتركيا وقوات الجيش السوري الحر على الانتشار بمناطق شمال الرقة، وصولاً لعين العرب ومنبج ..وربما يكون شرق رأس العين أيضاً. ويفضل الروس إعطاء الأتراك القرى العربية في محيط تل رفعت بدلاً عن ذلك، لتأمين مناطق عفرين ودرع الفرات بشكل كامل، وتستبق ذلك سياسياً بمحاولة عقد تفاهمات سريعة بين "مسد" والنظام للتشويش على التفاهمات التركية/ الأمريكية الجاهزة للتنفيذ قريباً..