رأي

مجزرة عفرين بين القانون والأخلاق

الأحد, 13 يونيو - 2021
آثار قصف مشفى الشفاء في مدينة عفرين من قبل قسد
آثار قصف مشفى الشفاء في مدينة عفرين من قبل قسد

الطريق -عبدالناصر حوشان

بالأمس تعرضت مدينة عفرين لقصف مدفعي على دفعتين من مناطق معادية، وكانت الثانية الأكثر وحشية حيث كانت استهدافاً مباشراً ودقيقاً لمشفى الشفاء في المدينة، ارتقى نتيجته أكثر من عشرين شهيداً، مع إصابة العشرات من المدنيين الأبرياء.

تعدَّدت وتباينت واختلفت ردود الفعل على هذه الجريمة النكراء، باختلاف المرجعية العرقية أو الطائفية أو السياسية أو الفصائلية، أو المواقف الشخصية المرتبطة بالعداوة أو الخصومة أو الاختلاف.

وبما أنَّ سوريا تعتبر وَفْقَ القانون الدولي منطقة نزاع مسلح، ويختلف البعض حول توصيفه القانوني الصحيح، فالبعض يراه نزاعاً داخلياً " سوري -سوري "، والبعض الآخر يراه " نزاعاً دولياً مسلحاً " لوجود الجيوش الأجنبية في سورية، والبعض الآخر يراه " نزاعاً مسلّحاً مدوّلاً ".

لذلك، ولتعدد أطراف الصراع في سورية، صار لكلِّ طرفٍ مصلحة وهدف وأدوات تحقق له وجوداً شرعياً أو ذريعة قانونية، أو مبرراً أخلاقياً يغطي به هذا الوجود ويبرر له الأهداف، ويحميه من المساءلة القانونية والأخلاقية.

 

أمَّا بالنسبة لنا كثوار وأحرار، فنحن لسنا طرفاً أصيلاً في هذا الصراع الدولي، لكنَّنا تحوّلنا إلى جزءٍ من هذا الصراع، من حيث التأثّر و التأثير، والذي تحكمه قواعد الدفاع عن النفس وموازين القوى، فنتجت عن هذا الصراع تحالفات واصطفافات ضمن البيت الثوري والسوري من جهة، وبين هذا البيت وبقية أطراف الصراع الخارجي من جهة ثانية، فتحوّلت الثورة إلى جِرْمٍ سماوي يدور في هذا الفلك، وأصبح الثوار والأحرار ضمن هذا الطيف المغناطيسي الذي تولده حركة بقية الأجرام في هذا الفلك، ومن طبيعة الأطياف المغناطيسية التجاذب والتنافر؛ ممَّا خلق اصطفافات وصراعات بين الطيف الثوري الحر الواحد، أدّت إلى تشظي بعض القوى أو إلى نبذ بعضها البعض أحياناً.

ومن هنا، وحتى يمكننا الاستمرار والحفاظ على ثورتنا وعلى تماسك ما تبقى من قواها، يجب علينا أن نعزّز قوة الطيف الثوري واستقطاب القوى المتشظّية، وإبطال أو تقليل قدرة القوى النابذة، وذلك يستدعي الآتي:

التسليم بأنَّ الثورة قضية شعب تستند إلى مجموعة من الحقوق التي تكفلها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، خاصة (شرعة حقوق الإنسان) التي تحتكم إليها كلُّ الأطراف المتصارعة في نزاعات العصر الحديث، وهذا يجعل من كلِّ ثائر حرٍ صاحب قضيّة حقوقية تضمن له الحق في الادعاء، والحق في الدفاع، والحق في التمكين من هذه الحقوق بكل الوسائل، على قاعدة: الدفاع المشروع وأحكام الضرورة والظروف الطارئة والرد بالمثل، وهذا يعفيه من التزام الحيادية، فصاحب القضية أو صاحب الحق لا يكون حيادياً مع عدوه، إنَّما الحياد واجب على  الحكّام والقضاة، وهذه حجَّتنا على من يكيل لنا الاتهامات الباطلة، أو يضعنا على قوائم ولوائح التصنيف التي لا تستند إلى قانون أو عرف، بل هي لوائح مصلحية تتغيّر بتغيّر مصلحة صاحبها.

 

و بما أنَّ لكلِّ واقعة في هذا الصراع عدَّة جوانب تفرضها طبيعة هذا الصراع - وهي جانب قانوني، وآخر أخلاقي، وثالث سياسي - فمجزرة عفرين هي مثال لكلِّ ما سبقها من جرائم وأحداث وعلاقة أطراف الصراع، ومسؤوليتها تحكمها هذا الجوانب الثلاثة، فالجانب القانوني بالنسبة لنا يقوم على قاعدة العداوة، والتي تقودنا إلى تحديد "من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا؟ " وبالتالي تحديد نوع المسؤولية، فالعدو مسؤول عن كلِّ عملٍ ضدَّ الثورة والشعب مسؤوليةً جنائية عمديَّة، ولا يمكن له التذرُّع بأيٍّ من أسباب التبرير القانونية؛ لذلك فكل ما يصدر عنه هو جريمة جنائية كاملة الأركان، وعدونا في هذا الصراع هو النظام السوري وشركاؤه الروس والإيرانيون  وميليشياتهم، وميليشيات قسد الانفصالية، وهم يتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية عن هذه الجريمة النكراء.

أمَّا مسؤولية الأصدقاء أو الحلفاء، فهي مسؤولية تقصيرية والتي لها أحكامها ولها قواعدها في الاختصام  والاحتكام، وتقوم أحكام المسؤولية التقصيرية على الإهمال أو التقصير في أداء الواجب أو المسؤولية عن حراسة الأشياء وعن أعمال التابع، وهذا ينطبق على تركيا والدول الداعمة للثورة، لذلك فإنَّ معاملتها معاملة العدو هو مغالطة قانونية وأخلاقية و سياسية تنعكس سلباً على الثورة والشعب السوري.

أمَّا الجانب الأخلاقي، فالأخلاق هي قيم ذاتية في النفوس تختلف باختلاف البيئات وباختلاف الانتماء، ولكن هناك قيم جامعة رغم ذلك الاختلاف، ومنها: تجريم وإدانة أو استنكار أو بُغض الأفعال الدنيئة والأفعال التي تقع على حياة الناس وحرياتهم وحقوقهم الأساسية، لذلك فإنَّ ظهور الأصوات التي تجاهر بمخالفة وضرب  هذه القيم يعتبر شذوذاً عنها، و"لا يُبنَى على شاذٍّ في حكم"، وإنَّ التعاطي مع هذا الشذوذ في معرض التعامل مع القضية الأساسية يعتبر مغالطة منطقية؛ لأنَّ تغليب قضية جزئية على القضية الأم سيجعل القضية الأم ثانوية أو على الأقل معاملتها معاملة الجزئية ممَّا يؤثر على الرأي العام، وبالتالي إلى خلل في الوعي العام، وضياع الحقيقة وتبديد الحقوق.

أمَّا الجانب السياسي، فهو ميدان للمراوغة والكذب والتحلل من المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية، تحكمه قواعد المصالح والعلاقات الدولية، وهو ميدانٌ ـ للأسف ـ أقوى من قوى الثورة والأحرار؛ لذلك يحاول الجميع جرّ الثورة إلى جانبه واللعب بها كورقة من أوراقه السياسية، أو تحويلها إلى أداة من أدوات تنفيذ مصالحه أو حمايتها.

ولتفادي آثار الاهتزازات وقوة الاستقطاب الذي تفرزه الصراعات بين الأطراف الدولية في سورية، يجب علينا التمسك بحقوقنا السياسية والقانونية كأسس ترتكز عليها ثورتنا، الأمر الذي يعطينا دورنا الحقيقي في هذا الصراع، ويضمن ويشرعن لنا سبل الحفاظ على الثورة والدفاع عنها وعن أنفسنا ضدَّ كلِّ معتدٍ أثيم، ويوجب تقديم قضيتنا للعالم بصدق وأمانة وبإقامة الحجة والبرهان، والتزام الجانب الأخلاقي الذي تفرضه علينا قيم الثورة النبيلة وسمو تضحيات أهلنا وشهدائنا وثوارنا وأحرارنا.