رأي

اللاجئون في تركيا في ميزان السياسة والدستور

الأحد, 8 مايو - 2022

عبد الناصر حوشان 


تتالت على تركيا موجات من الهجرة واللجوء من كل مناطق النزاعات في العالم واستوعبتهم الحكومات التركية المتعاقبة ونظّمت أوضاعهم وفق آلياتها الوطنية، ومع موجة لجوء السوريين إليها، التي تعتبر الأكبر في تاريخ تركيا قررت الحكومة التركية تنظيم الوضع القانوني للسوريين المتواجدين على أراضيها حيث أصدرت قانون “الحماية المؤقتة” رقم 6458 لعام 2013 المعروف بـ “قانون الأجانب والحماية الدولية”. ويتوافق هذا القانون مع الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين لعام 1951 في منح اللاجئين كل الحقوق المنصوص عنها في الاتفاقية مثل حق الحصول على الحماية القانونية والرعاية الصحية والتعليم والعمل والمساعدة القانونية والمساعدة الاجتماعية والتنقل والعمل والتقاضي، ما عدا منح الأشخاص المشمولين به وثائق سفر تخولهم التنقل من وإلى تركيا. 

ويؤخذ على هذا القانون أنه يمكّن الحكومة التركية ولدواعي الأمن القومي من فرض إجراءات إدارية على تنقل السوريين داخل المحافظات التركية وهو ما تسبب ببعض المشاكل للباحثين عن عمل أو التنقل لزيارة الأقارب في الولايات الأخرى، ما اضطرهم للتحايل على هذا القانون وعلى هذه الإجراءات بالانتقال والاستقرار في غير مناطق إقامتهم الأصلية دون الحصول على الأذونات المطلوبة. 

وتركيا مثلها مثل كل الدول الديموقراطية التي تتبنى القيم الديموقراطية وحرية الرأي وتشكيل الأحزاب، وتحترم قواعد الديموقراطية التي تقوم على برامج حزبية وسياسية واقتصادية وتنموية تنافسية، ومن طبيعة اللعبة السياسية اللعب بأوراق الضغط سواء كانت نقاط قوة أو ضعف، وتحتدم هذه المنافسة عند الاستحقاقات الانتخابية التشريعية أو الرئاسية أو الإدارة المحلية. 

ومن هذه الأوراق ملف اللاجئين السوريين، حيث شاهدنا كثيراً من الأحزاب في دول أوروبية وعربية بين موالاة ومعارضة تلعب به كورقة سياسية في معاركها الانتخابية، أو عندما تمرّ البلاد بأزمات اقتصادية تؤثر على المواطن، وما يجري في تركيا ليس استثناء، ولكن الأمر الذي يعطي لهذا الملف في تركيا، هو حجم عدد اللاجئين الكبير فيها، وانتشارهم على مساحات واسعة في البلاد والانتشار العشوائي في بعض المناطق، وقربها من الحدود السورية وما يثيره من مخاوف تسلل أفراد حركات مناوئة لتركيا، وانتشارها العسكري في الداخل السوري وفرض نوع من “الحماية” على المناطق المحررة وفق تفاهمات دولية وإقليمية ورعايتها للمعارضة السورية ودعمها للجيش الوطني والحكومة المؤقتة، وتأمين البنى التحتية من كهرباء وماء وخدمات أخرى بالإضافة إلى إنشاء مدارس وجامعات ومستشفيات للمناطق المحررة. 

أعتقد أن العاصفة التي تجتاح أوساط اللاجئين السوريين في تركيا لن تستمر وستنتهي مع نهاية فترة الاستحقاقات الانتخابية للأسباب التالية:

إن هذه العاصفة ليست الأولى فقد تكررت على مدى الأعوام السابقة عند الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

إن تركيا بلدٌ ديموقراطي دستوري يحترم الدستور، والأحزاب السياسية سواء كانت حاكمة أو معارضة لا تستطيع الخروج عن الدستور الذي يتضمن نصوص دستورية محصّنة من التعديل والإلغاء بنص الدستور، ومنها المادة الثانية التي تنص على أن سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، من سمات الجمهورية الأساسية التي لا يجوز تعديلها أو الغائها ولا يجوز حتى التقدم بمقترح لذلك حسب المادة الرابعة من الدستور. 

وحسب المادة “16” من الدستور فإن قرارات تقييد حقوق الأجانب وحرياتهم الأساسية مرهونة بتوافقها مع القانون الدولي ومنها المادتين “32 و33” من الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين التي اشترطت توفر أسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام في ذلك شريطة منح اللاجئ المتضرر الحق بتقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الاستئناف ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معيّنين خصيصا من قبل السلطة المختصة.

لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر دواعي معقولة لاعتباره خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثل ذلك، نظرا لسبق صدور حكم نهائي عليه لارتكابه جرماً استثنائي الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد.

بموجب المادة 148 من الدستور حق التقاضي ومخاصمة السلطة، حق متاح للسوريين الذين يخضعون لقانون الحماية المؤقتة بدليل تقديم الطعون ضد قرارات الترحيل أمام قاضي محكمة البداية ثم الاستئناف ثم المحكمة الإدارية العليا، وآخرها كما رأينا الطعن المقدم من مجموعة من اللاجئين أمام المحكمة الدستورية العليا وهذا الحق متوافق مع المادة “16” من الاتفاقية الدولية لحمية اللاجئين. 

الفرق بين التوطين والطرد والعودة الطوعية: 

التوطين: يعني منح الجنسية التركية للأجانب. 

العودة الطوعية: هي قرار ذاتي “حرّ” يتم عبر تقديم طلب إلى مديرية المحافظة لإدارة الهجرة في المحافظة التي سجل فيها طالب العودة يبلغهم رغبته في العودة، حيث سيتم إجراء مقابلة شخصية معه وسيُطلب منه التوقيع على نموذج طلب العودة الطوعية لتسجيل عودته إلى سورية، إذا كان أفراد عائلته أيضاً على استعداد للعودة إلى سورية معه، فيجب على أفراد أسرته البالغين التواصل مع مديرية المحافظة لإدارة الهجرة أيضاً.

الطرد: الإعادة تكون إما بقرار قضائي متوافق مع أحكام الدستور وأحكام قانون الحماية المؤقتة والاتفاقية الدولية لحماية حقوق اللاجئين أو بقرار من السلطة الإدارية شريطة منح المقرر ترحيله حق التظلم والتقاضي. 

ويُطبّق الطرد على كل شخص أدين بحكم جنائي يخل بالأمن العام أو وجد أنه يشكل خطراً على الأمن القومي والنظام العام، أو الأشخاص الذين وُجِدَ أنهم اقترفوا خارج تركيا أفعالاً وحشية ضد أشخاص آخرين وكانت الأدلة تشير إلى ذلك، أو من وُجِدَ أنه قام بأعمال إرهابية أو خطط لها أو قام بإجراءات الاشتراك في هذه الأعمال وتم التحقق من قيامه بذلك، والأشخاص المدانون بموجب قرارات من المحاكم الدولية بجرائم ضد الإنسانية. 

زوال صفة الحماية المؤقتة: بحق مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات التركي رقم 5237 لعام 26/09/2004 وهذه الحالات المنصوص عليها في المادة 12 من اللائحة التنفيذية هي: 

    إذا غادر الأجنبي المشمول بالحماية المؤقتة تركيا بصورة طوعية إلى بلده الأصلي.

    في حال استفاد الأجنبي من الحماية الدولية في بلد ثالث.

    في حال كان الأجنبي مشمولاً بإعادة التوطين في بلد ثالث أو لأسباب إنسانية.

    إذا غادر إلى بلد ثالث طواعية.

    كل أجنبي اكتشفت السلطات المختصة بصورة مباشرة أو بعد مدة من الزمن أنه يخضع للمادة “8” من اللائحة التنفيذية ويتم إسقاط صفة الحماية المؤقتة بقرار من المديرية العامة لإدارة الهجرة أو من أو المديريات الفرعية في الولايات. 

من واجبات اللاجئين السورين ما يلي: 

احترام القوانين والقرارات لأن الحصول على حقوقنا القانونية منوط بقيامنا بالواجبات التي فرضها القانون. 

التسليم بأن أمر تقدير ضرورات الأمن القومي ليست من صلاحياتنا نحن السوريين وإنما هو أمر سيادي للدولة التركية تضمنه المواثيق الدولية.

حصول بعض أفراد العائلة على الجنسية أو تقديم طلبات الجنسية ووصولها إلى المراحل الأخيرة لا يعني حصول بقية أفراد العائلة عليها، الأمر الذي يوجب عليهم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وخاصة الانسياق مع السوريين المجنسين الذين يمارسون ذلك باعتبارهم أصبحوا مواطنين وأعضاء في الأحزاب التركية، سواء كانت الحاكمة أو المعارضة ويبقى هذا الحق دون باقي أفراد العائلة غير المجنّسين.

لوقوف على الحياد عند الاستحقاقات الانتخابية والالتزام بالقرارات الصادرة عن السلطة واجب لأنه السبيل الوحيد لسلامتنا.

تجنب الخلط ما بين قرار المحكمة الدستورية الأخير وما بين مشروع فتح باب العودة الطوعية إلى مناطق محدّدة في المناطق المحررة، فقرار المحكمة الدستورية هو قرار قضائي بحت صدر عنها بصفتها مرجعاً للطعن بالإجراءات الصادرة عن السلطة بعد إتاحة الفرصة للطاعنين بتقديم دفوعهم، ولعدم إثبات هذه الدفوع تم رفض الطعن، ما يجعل القرار قراراً خاصّاً بهذه الدعوى، وتأكيد المحكمة على أن المبدأ في التعامل مع اللاجئين هو احترام حقوقهم وعدم ترحيلهم إلى أماكن يخافون فيها على حياتهم، وأن الترحيل هو الاستثناء شريطة أن يتوافق مع النصوص القانونية التي تسمح بذلك. 

أما موضوع إعادة توطين اللاجئين في مناطقهم المحررة، فأعتقد أن هذا المشروع إن وضِع موضع التنفيذ سيأخذ في عين الاعتبار أثلاث أمور أساسية وهي “الحماية من النظام والروس والإيرانيين” وهذا يتطلب اتفاقيات وقف إطلاق نار شامل، أو قراراً أممياً ملزماً بذلك، والأمر الآخر هو تأمين البنى التحتية التي تساعد في الاستقرار، والأمر الثالث وهو تمكين العائدين طوعياً من البقاء عبر تقديم مشاريع إنتاجية واقتصادية تمكِّنهم من استغلال المساحات الزراعية الواسعة والتي أغلبها تحيط بها مياه الأنهار، ما يؤدي إلى توفير موارد محلية تساهم في الاكتفاء الذاتي في المناطق المحررة، وتحقيق الأمن الغذائي الذي أصبح هاجساً دولياً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، يهدد الأمن الغذائي لكثير من الدول التي كانت تعتمد على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، كما يمكن اعتبارها حلّاً لمشكلة تهديد روسيا الدائم باستخدامها حق الفيتو لإيقاف العمل بالآلية الدولية لتقديم المساعدات عبر الحدود وقطع الطريق عليها في محاولتها إجبار الأمم المتحدة تقديمها عن طريق النظام السوري، ومن الطبيعي أن تعيد بعض الدول حساباتها القومية بناء على هذه المعطيات ووضع خطط تساعدها في تفادي مخاطر هذه الأزمة. 


المصدر: نينار برس