رأي

الاستثمار الأمثل لزيارة رئيس الحكومة المؤقتة إلى واشنطن!

الاثنين, 13 يونيو - 2022

عبد الناصر حوشان 


يزور السيد عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة السورية المؤقتة الولايات المتحدة الامريكية، وقد استقبله السيد مراد ميرجان سعادة سفير الجمهورية التركية في واشنطن الذي عقب على الزيارة قائلاً: “سعيد للغاية باستضافة رئيس وزراء الحكومة السورية بمناسبة زيارته الأولى للولايات المتحدة، حان الوقت لكي يستمع المجتمع الدولي إلى الممثلين الشرعيين للشعب السوري”. 

يتضمن هذا الحديث ثلاثة نقاط مهمة بالنسبة للثورة السورية وتتعلق بالشرعية والاعتراف القانوني، الأولى التركيز على أن الضيف يمثل حكومة، والثانية أن هذه الحكومة هي ممثل شرعي للشعب السوري، والثالثة دعوة السفير وبالتالي الحكومة التركية المجتمع الدولي للاعتراف بالحكومة السورية المؤقتة ممثلاً شرعياً للشعب السوري، وليس لقوى الثورة والمعارضة فقط كما هو حال الائتلاف. 

وعليه يمكن البناء في دعم هذا التوجه التركي والعمل على إنجاح الحكومة المؤقتة في تقديم نفسها ممثلاً حقيقياً للشعب بديلاً للنظام السوري المتهالك الذي لم يعد يصلح لإدارة مؤسسة حكومية حتى يمكنه إدارة دولة. 

ويُمكن استغلاله في ترميم شرعية الائتلاف الشعبية التي تزعزعت بعد مؤتمر الرياض 2 وتشكيل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية. 

ويمكن استغلال الظروف الدولية التي تشهد اصطفافاً دولياً واسعاً ضد العدوان الروسي على أوكرانيا وبالتالي يمكن استثمار هذا الاصطفاف لتقديم البديل الحقيقي عن النظام السوري الحليف القذر للنظامين الروسي والإيراني. 

وكذلك يمكن استثمار الفشل الذريع الذي تشهده عملية التفاوض مع النظام ولا سيما مفاوضات اللجنة الدستورية التي تؤكد للعالم بأن هذا النظام غير قابل لا لتحسين سلوكه ولا أن يكون شريكاً في وقف شلال الدم والمأساة السورية، وجاء رأس العصابة بشار أسد ليؤكد ذلك في لقائه مع شبكة روسيا اليوم “أر تي” أول أمس. 

وحيث أن الثورة السورية فرضت وضعاً جديداً في بنية الدولة السورية وعلاقتها مع المجتمع الدولي، تغيرت فيه السلطة بوصفها مظهراً من مظاهر السيادة الداخلية والخارجية، حيث فقد فيه النظام مكانته الدولية، وتكرست فيه عدم شرعيته الداخلية، لذلك أصبح الاعتراف الكامل بالحكومة السورية المؤقتة بديلاً شرعياً سياسياً وقانونياً للنظام السوري هو المخرج القانوني والسياسي لعودة سورية إلى المجتمع الدولي بوصفها عضواً مستقراً و فاعلا ًفي بناء العلاقات الدولية ومُساهماً في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وبعد أن قدمت المعارضة وقوى الثورة كل ما يتوجب عليه من التزامات أمام المجتمع الدولي للوصول إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة الذي قابلها النظام برفض أي تعاون حقيقي مع المجتمع الدولي، فلم يعد من المعقول الاستمرار في هذه العملية التي تقوم على المكر والخديعة والالتفاف على القانون الدولي والتي لن تنتج أي حل على الإطلاق مادام النظام السوري قائم. 

إن الوصول لهذه القناعة والانطلاق منها لبناء مشروع استعادة الشرعية السورية من براثن هذا النظام المجرم هو الخطوة الأولى الحقيقية المنتجة لوقف هذه المأساة، واستعادة التوازن للسلم والأمن الدوليين المهددين بالانهيار في المنطقة. 

ومن المعروف في الفقه القانوني أن الشرعية التي تتجلى بالاعتراف القانوني الذي يمكن أن يكون اعترافاً صريحاً وعلنياً، وإما أن يكون اعترافاً ضمنياً من خلال الأفعال والأقوال التي تعبر عنه مثل المشاركة في الفعاليات وتبادل الآراء والمفاوضات وتبادل الوثائق. 

وعليه يمكن للحكومة المؤقتة ومن ورائها المعارضة الخروج بقرار صريح وواضح ومعلن وإعلان وقف كل أشكال التفاوض مع النظام سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة والمطالبة بنزع شرعية بشار الأسد وتعليق عضوية النظام السوري في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وتسليم هذا القرار إلى الأمين العام الأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. 

والخطوة الثانية: إعادة ترتيب بنية المعارضة وتشكيل حكومة تكنوقراط كاملة الصلاحيات التنفيذية تتضمن في تشكيلتها وزارات سيادية داخلية وخارجية وأهمها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية. 

ومن ثم اعتماد إعلان دستوري مؤقت يتضمن المبادئ الدستورية الأساسية التي تُمكن الحكومة من الحلول محل النظام في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية. 

وحيث أن الاعتراف الدولي ذو طبيعة كاشفة أو مقررة لا منشئة، وان المطالبة بالاعتراف القانوني لا ينتقص من عضوية أو شخصية الدولة السورية، لأن أركان الدولة الثلاثة موجودة وهي الشعب، الإقليم، السلطة، فالركنان الأوليان الشعب والإقليم يتسمان بالثبات والديمومة بينما الركن الثالث أي السلطة فهو ركن مُتغير لأنه مظهر من مظاهر السيادة الداخلية التي تتغير إما بتغير السلطة الحاكمة بالانتخابات أو من خلال الانقلابات أو من خلال الثورات أو من خلال حركات التحرر. 

وحيث أن الحكومة المؤقتة لا تنشئ دولة جديدة ولا تطالب بالاعتراف بإقليم أو أي نوع من أنواع الحكم الذاتي أو الانفصالي عن الدولة الأم، الذي يتطلب اعترافاً جديداً به، وإنما هي تطلب الاعتراف بسيادة الشعب التي أقرها الدستور كمصدر للسلطات وبحق هذا الشعب بتغيير السلطة كركن من أركان الدولة سواء كان من خلال الثورة أو من غيرها من الطرق. 

وحيث أنه لا تستطيع أي من الدول سحب اعترافها بالدولة السورية بسبب تغيير النظام أو إسقاطه أو استبداله، لأن لهذه الاعترافات السابقة مفاعيل وآثار قانونية تحكمها الاتفاقيات الدولية التي تقوم على احترام مبدأ السيادة الوطنية، واحترام اتفاقيات العلاقات الدولية والمعاهدات الدبلوماسية. 

ما يُمكن الحكومة والمعارضة من الانتقال من مرحلة المفاوضات العبثية إلى العمل على تحصيل الاعتراف الدولي بالحكومة السورية لا بوصفها حكومة إقليم أو دولة جديدة وإنما بوصفها بديلة لحكومة فاشلة أسقطت كل مظاهر سيادة الدلة السورية الداخلية والخارجية وعطلت دور سورية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين والتعاون الدولي في التنمية المستدامة. 

وعليه يجب على الحكومة المؤقتة والمعارضة السورية وضع خطة عمل مُتقنة بالتعاون مع خبراء في القانون الدولي وبمساعدة الدول الصديقة للشعب السوري للحصول على الاعتراف بها بديلاً عن النظام السوري، والعمل على رفع مستوى التعامل معها ليكون على مستوى الحكومات والوزراء وليس على مستوى المبعوثين الخاصين أو موظفي الدرجة الثانية والثالثة. والعمل على الحصول على الاعتراف القانوني يمنح الحكومة عضوية سورية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي ومنحها حق تبادل التمثيل الدبلوماسي وحق الانضمام إلى عضوية المنظمات الدولية والإقليمية، والعمل على الحصول على الاعتراف بالمؤسسات التعليمية والجامعات من قبل المؤسسات الحكومية الأجنبية أو من خلال اتفاقيات التعاون والشراكة والتفاهم المشتركة بينها والاعتراف بوثائق الحكومة المؤقتة مثل وثائق القيد المدني أو وثائق السفر أو غيرها من الوثائق الرسمية. 


المصدر: نينار برس