رأي

قراءة قانونيّة للتقرير الثالث لفريق التحقيق وتحديد الهويّة

الاثنين, 30 يناير - 2023

عبد الناصر حوشان 


بتاريخ 27/01/2023  صدر التقرير الثالث عن فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المعروف اختصاراً بـ “IIT”، حيث خلُص التقرير إلى نتيجة مفادها ” أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن القوات الجوية التابعة للنظام السوري هي التي ارتكبت الهجوم بالأسلحة الكيميائية في”7 أبريل 2018 في دوما”، عبر إلقاء أسطوانتين صفراوين تحويان غاز الكلور السامّ على بنايتين سكنيتين في منطقة مأهولة بالسكان المدنيين بواسطة طائرة هليكوبتر واحدة على الأقل من طراز”Mi-8/17″ انطلقت من قاعدة الضمير الجوية التي كانت تحت سيطرة القوات الروسية وهي إحدى الطائرات السبع الموضوعة تحت تصرّف المجرم العميد “سهيل الحسن”، مما أسفر عن مقتل “43” فرداً وإصابة عشرات آخرين. حيث جاء الهجوم في سياق العمليّة العسكريّة التي شنّتها ميليشيا أسد بالاشتراك مع القوات الروسيّة على المدينة. 

وجاءت هذه النتيجة استناداً إلى التقييم الشامل ومراجعة الأدلّة وهي أكثر من”19000″ ملف، تبلغ مساحتها أكثر من “1.86” تيرا بايت، وإفادات “66” شاهد، وتقارير تحليل فنيّة لـ “70” عينة، حيث قام الفريق بتقييم هذه المعلومات بشكل شامل، وفحص بعناية قيمتها الإثباتية من خلال منهجية مشتركة على نطاق واسع امتثالاً لأفضل ممارسات هيئات تقصي الحقائق الدولية ولجان التحقيق، والتزام الفريق بإجراءات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية المعمول بها، بما في ذلك ما يتعلق بسلسلة العهدة، واستكمالها حسب الاقتضاء، ومتابعته خطوط التحقيق بدقة. 

وكانت بعثة تقصي الحقائق قد جمعت “64”عينة من الموقع بهدف تحديد وجود “المواد الكيميائية المجدولة ومنتجات التحلّل” و”المواد الكيميائية العضوية المكلورة”. وشملت هذه العينات المناديل الجافة والرطبة للأسطح، والحطام الخرساني، والنسيج، والمواد البلاستيكية، ورقائق الطلاء، والعينات المعدنية والطبية الحيوية للضحايا، وعينة من الأسلاك النحاسية الكهربائية وخشب النوافذ والأبواب وكذلك بعض أشجار الصنوبر في الطابق السفلي للبناء التي أكدت التحاليل الكيميائية تعرضها لمستويات عاليّة من غاز الكلور التي لا يمكن أن تكون موجودة في تركيب مواد التنظيف أو مواد حفظ الأخشاب، أو حتى المبيدات الحشريّة. 

وقد خلصت التحاليل إلى تحديد بصمة الكلور في عينة خشب صنوبرية تم جمعها في الطابق السفلي من خلال ترتيب مستويات التعرض للكلور في المبنى بشكل متدرّج الكثافة حيث تشتدّ في الأماكن التي على مستوى الأرضية “في كل من الغرفة تحت الأسطوانة وفي الطابق السفلي” وتخفّ مقارنة بتلك العينات التي تم جمعها على ارتفاع”2″ متر تقريبا فوق مستوى الأرض. وهو ما يُفسِّر ارتقاء غالبية “الضحايا” ممن كانوا في الطابقين الأول والثاني من المبنى. وبالتالي استبعاد احتماليّة أن تكون العمليّة “مدبرة” من خلال وضع أسطوانات تقليدية غير مملوءة في كلا الموقعين، ومن ثم غمرها بالمواد التفاعلية “الكلور” مثل منتجات التبييض المنزلية ” لتشبه منطقة متأثرة بهجوم غاز الكلور، لأن الكلور المستخدم هو من النوع “الغازيّ”، على خلاف الكلور الموجود في منتجات التبييض والذي يأتي على شكل “سائل مائي” وتفاعله وآثاره مختلفة تماماً عن تفاعل وآثار”الكلور الغازيّ”. وكان هذا التقرير في أعلى درجات المهنيّة والحياديّة والإتقان، في الردّ على ادعاءات النظام وروسيا والتي تضمّنت اتهام الفصائل التي كانت تسيطر على المنطقة ومنظمة ” الخوذ البيضاء” الدفاع المدني بفبركة الهجوم، وقد توسّع المحقّقون جدا في تفنيد هذه الاتهامات واثبت عجز كل من النظامين السوري والروسي عن إثبات هذا الادعاء، حيث بقيت مجرّد افتراءات. 

وقد اثبت التقرير عدم امتثال النظام السوري للتعاون مع الفريق المفروض عليه بموجب الفقرة “7” من المادة السابعة من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والالتزام الواقع على عاتقه بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم”2118″ لعام 2013 القاضي بوجوب التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من خلال تزويد الأفراد المعينين من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالوصول الفوري وغير المقيد إلى أي وجميع المواقع والأفراد الذين تمتلك منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أسباباً للاعتقاد بأنها ذات أهمية لغرض ولايتها. وذلك من خلال الإشارة إلى المذكرة الشفوية رقم “68” المؤرخة في 9 يوليو 2021 التي قدّمها النظام السوريّ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تفيد ” بأن النظام قام بنقل الأسطوانات وتخزينها في مكان آمن بهدف متابعة التحقيقات بشأن أولئك الذين استخدموا الأسطوانات”. ومن ثمّ أدعى بأنّ الموقع تم استهداف من قبل الطائرات الإسرائيلية ما أدى إلى تدمير الأسطوانات، الأمر الذي حال دون إجراء أي تقييم أو تحليل إضافي عليها لأغراض هذا التقرير، علاوة على ذلك، على الرغم من الطلبات المتكررة، لم يتم إطلاع الفريق الاستشاري الدولي على نتيجة التحقيقات التي ادعى النظام القيام بها. 

كما أثبت التقرير مشاركة القوات الروسيّة وتواطئها، من خلال ثبوت انتشارها ومشاركتها في استخدام قاعدة الضمير الجوية إلى جانب “قوات النمر”، وذلك من خلال المراجعة المكثفة للتحليل العسكري والتصريحات العلنية الروسية والسورية والمصادر المفتوحة التي سبقت هجوم الغوطة الشرقية، وزيارة الجنرال الروسي ألكسندر زورين وضباطاً عسكريين روس آخرين موقع الحادثة بعد يومين من وقوع الهجوم أي بتاريخ 9 أبريل/نيسان 2018 وادعائهم بأنهم لم يعثروا على أي دليل على الأفراد المتضررين أو على استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما. 

وإثبات العلاقة المباشرة والتنسيق العالي والوثيق على المستوى العملياتي والتكتيكي بين قيادة القوات الروسيّة وميليشيات “النمر” منذ بداية الغزو الروسي لسوريّة وقيادتهم المعارك من خلال غرفة العمليّات المشتركة التي كان العميد المجرم سهيل حسن وهو أحد ضبّاط إدارة المخابرات الجويّة التي كانت تخضع لمكتب الأمن القومي برئاسة اللواء “علي مملوك”، وأنّ سهيل حسن هو القائد العسكري السوري الوحيد الذي يحضر اجتماعات غرفة العمليّات والذي كان يتلقّى الأوامر المباشرة من بشار أسد دون مرورها عبر سلسلة القيادة، وكان قد سبق لرئيس المخابرات الجوية السورية اللواء جميل حسن أن أوكل إلى ضابط في المخابرات الجوية مهمة التنسيق وتسليم الذخائر “الكيميائية” وتحميلها مع العميد سهيل الحسن. 

وزيادة في المصداقيّة والحياديّة فقد ناقش المحقّقون كل السيناريوهات المحتملة، ورغم ذلك خلصوا إلى قناعة أن الأسطوانتين قد ألقيتا من السماء من ارتفاع لا يقل عن 1000م وأنّ بلوغ هذا الارتفاع لا يمكن إلّا عبر استخدام طائرة مروحيّة، واعتمد في إثبات ذلك على ميزات تصميم كلتا الأسطوانتين، بالإضافة إلى الحوامل المعدنية المجهزة بهما، من خلال اتجاه عروات الرفع الموجودة على الحوامل المعدنية الموجودة في كلا الموقعين إلى أن الأسطوانات لم يتم تصميمها لتعلّق ببرج الأسلحة الخارجي للطائرة، بل يتم دفعها خارج حجرة الشحن أي من المروحية، أو الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، وعدم وجود أجنحة تدلّ على عدم إمكانية إطلاقها بواسطة مدافع أرضيّة ما يؤكّد أنها القيت من طائرات الهليكوبتر”17/8- Mi” كونها الأنسب لحمل وإلقاء الذخائر المرتجلة التقليدية والكيميائية المتوسطة والكبيرة الحجم، وذلك بسبب مساحة الشحن الكبيرة التي يمكن أن تخزن براميل متعددة متوسطة وكبيرة وهو ما سبق إثباته في هجمات سابقة في كل من اللطامنة وكفرزيتا وسراقب. 

ودعّمت هذه القناعة تقارير الطب الشرعي وتقارير الخبرة الفنيّة وتقارير التحليل الكيماوي وصور الأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية أخرى من عدة دول. 

وقد أصدر النظام السوريّ بيانا يطعن بمصداقية الفريق ومهنيّته جاء فيه: لا يمكن لأي عاقل أو مختص أن يصل إلى الاستنتاجات المضللة لمُعدي هذا التقرير، الذين أهملوا كل الملاحظات الموضوعية التي تمت إثارتها من قبل دول أطراف وخبراء وأكاديميين وتقارير إعلامية موثقة ومفتشين سابقين من المنظمة مشهود لهم بالخبرة والمعرفة، والتي تؤكد بما لا يقبل الشك من النواحي العلمية والقانونية والهندسية والاختبارات التي أجراها متخصصون ومنهم من عمل ميدانياً بتكليف من منظمة الحظر أن تلك الحادثة كانت مفبركة كلياً”، وأن معدي التقرير استخدموا تعبيراً مخادعاً يقولون فيه: “إنه توجد أسباب معقولة للتوصل إلى هذه الاستنتاجات”، وهذا يدل أنه لم تكن لدى الفريق قناعة دامغة بالاستنتاجات التي خرج بها التقرير، وبأن “فريق التحقيق وتحديد الهوية” الذي لا شرعية له، لأن غالبية الدول الأعضاء في المنظمة لم تنضم للتصويت لصالح إنشائه”. 

وحيث أن فريق التحقيق وتحديد الهويّة شكّل بناءً على التفويض الممنوح لمنظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة الوارد في المواد “3 و6 و7و9” من قرار مجلس الأمن رقم “2118” لعام 2013 وهو لا يعتبر هيئة قضائية تملك سلطة تحديد المسؤولية الجنائية الفردية، ولا يتمتع بسلطة تقديم النتائج النهائية لعدم الامتثال للاتفاقية، وإنّما تتمثل وتنحصِر مهمته في إثبات الحقائق، فإنّ عبارة “أنّه توجد أسباب معقولة للتوصل إلى هذه الاستنتاجات” هي عبارة قانونيّة منضبطة تدل على عُمق فهم الفريق لمهمّته والتزامه بحدود ولايته في تحديد المسؤول عن استخدام السلاح الكيماوي باعتبار أن الاستخدام قد ثبت بتقرير لجنة تقصّي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “سيما وأن المتهمين به طرفان لا ثالث لهما وهما “الفصائل والخوذ البيضاء” وفق ادعاء النظامين الروسي والسوري، وبين النظام والروس اللذين كانا يسيطران على المنطقة جويّاً ويشنّان معركة واسعة لفرض الاستسلام على أهل المدينة. 

وبناءً على ما سبق: 

–      فقد ثبت كذب وافتراء النظامين الروسي والسوريّ بأن العمليّة كانت مُفبركة من قبل “الفصائل” ومنظمة الدفاع المدني. 

–      ثبتت مسؤوليّة كل من النظامين الروسي والسوري عن هذه الجريمة. 

–      ثبتت المسؤوليّة المباشرة لكل من: المجرمين العميد سهيل حسن واللواء جميل حسن واللواء علي مملوك، والجنرال الروسي ألكسندر زورين، وبقية الضبّاط الذين شاركوا بالعمليّات العسكريّة بذلك التاريخ. 

–      ومسؤوليّة بشار أسد مسؤولية مباشرة باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلّحة وفق الدستور السوري، وباعتبار أن استخدام الأسلحة الكيميائية يتطلّب صدور أوامر أو تفويض من أعلى مستويات القيادة العسكريّة، استناداً لما تضمّنه التقرير الأول للفريق الخاصّ بالتحقيق بالهجوم على مشفى اللطامنة الجراحي بغاز السارين لهذه الناحية. 

ويبقى موضوع المحاسبة رهناً بتحرّك المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن الدوليّ عن طريق تفعيل المادتين “15و21” من القرار “2118” لعام 2013 والمادتين “6و7ش” من القرار “2209” لعام 2015 اللتين تنصّان على وجوب فرض تدابير على النظام السوري تحت الفصل السابع، في حال عدم امتثاله للالتزامات الواردة في كلا القرارين، أو عدم التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أو في حال ثبوت إنتاج وتصنيع واستخدام السلاح الكيميائي بعد تاريخ 27/09/2013 وهو ما أكّدته التقارير الثلاثة للفريق حيث استخدم السارين وسلائف السارين في اللطامنة واستخدام الكلور السام في كلٍّ من سراقب ودوما. 

أو اللجوء إلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة وطلب عقد جلسة طارئة لتفعيل القرارين المذكورين عبر مجموعة الدول التي أنشئت ما يُسمّى “الشراكة الدولية من أجل مكافحة إفلات مستخدمي الأسلحة الكيميائية من العقاب والتي تضم “40” دولةً فضلاً عن الاتحاد الأوروبي والتي حدّدت أهدافها بمكافحة إفلات جميع الجهات المتورطة في انتشار الأسلحة الكيميائية واستخدامها من العقاب. وبإمكان هذه الشراكة حشد اغلبيه من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة، لإدانة روسيا بالتواطؤ والاشتراك في تنفيذ هذا الهجوم بناءً على هذا التقرير، ولبحث آلية تفعيل آليات تطبيق القرارين خارج إطار مجلس الأمن تجنّباً لاستخدام روسيا أو الصين لحقّ النقض “الفيتو”. 


المصدر: نينار برس