رأي

أحلام الفتى الطائر.. وخيارات هيئة التفاوض

الثلاثاء, 19 يوليو - 2022

عبد الناصر حوشان 


اعتبر رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، تعليق وفد النظام مشاركته باجتماعات اللجنة الدستورية تفضيلاً لمصلحة روسيا السياسية على حساب معاناة السوريين، وأضاف بأنه يمكن إنهاء معاناة الشعب السوري عبر العملية الدستورية والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، مؤكِداً التزام الهيئة بالخيار السياسي كحل للقضية السورية، وسعيها للضغط بكل السُبل السياسية لتنفيذ القرار 2254، مُلوِّحاً بالرجوع إلى مجلس الأمن لتطبيق القرار تحت البند السابع، في حال استمر النظام بتعطيل الحلول السياسية.

على ما يبدو أن هناك فهماً خاطئًا أو مُضِّلًا مقصودًا من قبل قيادة المعارضة لحقيقة دور الأمم المتحدة ولمفهوم الحلّ السياسي الذي حدّدت أسُسهِ ومرتكزاته، وبأن دورها دور رعاية لا وصاية، حيث أن الفرق شاسع بينهما كالفرق بين الفصلين السادس والسابع من ميثاقها.

الرعاية الأمميّة: هي جوهر الفقرة الرابعة من المادة الأولى من ميثاق لأمم المتحدة التي تنصّ على “جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة. أي حفظ السلم والأمن الدولي، الذي يمنحها صلاحيّة إتخاذ التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، والتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. 


وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام. وتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.

ويعتبر ميثاقها أداة من أدوات القانون الدولي، المُلزم لأعضائها وتقوم هذه الرعاية على ثلاثة مبادئ هي:

المساواة بين الدول الأعضاء.

احترام السيادة الوطنيّة.

عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول ” احترام الاستقلال السياسي “.

ولكن لهذه القواعد استنثاءات منها الحرمان من حقوق العضويّة، والتدخّل الإنساني، وفرض العقوبات عبر مجلس الأمن أو الجمعيّة العامة، كل هذه الإجراءات هي تدخّل أممي في الشؤون الداخلية للدول ” المحظور على غيرها القيام به منفرداً ” و تدخلّها يُعبّر عن الإرادة الدوليّة على عكس الإجراءات الأحادية او الجماعيّة التي تُتخَذّ خارج اطار المنظّمة الدوليّة الذي يُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة يصل إلى جريمة العدوان ، أي أن جوهر الرعاية الدوليّة هو ” الإجماع الدولي ” عبر القرارات الأممية سواءً في الجمعيّة العامة او مجلس الامن الدوليّ تحت الفصل السادس أو مجلس حقوق الانسان .

ومن اشكال الرعاية الدوليّة: حل المنازعات حلاً سلمياً وفق المادة ” 33 ” منه الذي يوجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حلّه بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها، ومنها:

طريق الدبلوماسية الوقائية: وهي الإجراءات الدبلوماسية المتخذة للحيلولة دون تصعيد المنازعات إلى نزاعات وللحد من انتشار النزاعات عند حدوثها. التي تتجلّى في عمل المبعوثين الدبلوماسيين الموفدين إلى مناطق الأزمات بغرض تشجيع الحوار والتوصل إلى حلول توافقية وتسوية التوترات بالوسائل السلمية. ويمكن أن تشمل الدبلوماسية الوقائية أيضاً تدخل مجلس الأمن والأمين العام وجهات فاعلة أخرى بغرض الإثناء عن استخدام العنف في اللحظات الحاسمة.

المساعي الحميدة: من قبل الأمين العام للأمم المتحدة شخص شخصياً أو بواسطة مبعوثين دبلوماسيين يرسلهم إلى مناطق التوتر في جميع أنحاء العالم. وتعدّ إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام هيكل الدعم الرئيسي لتلك الجهود، حيث تتولى تحليل النزاع، وتخطيط ودعم عمل مبعوثي السلام.

ويقتصر دور مجلس الأمن في هذه الحالة على دعم الإجراءات الوقائية.

الوساطة: وينحصر دورها في تقريب وجهات النظر بين الدول المتنازعة وداخل الدولة الواحدة للحدّ من تفاقم النزاعات والحيلولة دون أن تتحوّل الة نزاعات مسلحة، وبعد اندلاع أعمال العنف، وأثناء تنفيذ اتفاقات السلام.

ويبقى دور الأمين العام وممثليه ومبعوثيه بجهود المساعي الحميدة والوساطة رهناً بموافقة أو بناءً على طلب الأطراف أو بمبادرة من الأمين العام أو استجابة لطلب مقدم من مجلس الأمن أو الجمعية العامة.

أما الوصاية: فهي مجموعة الإجراءات القسريّة التي تنبثِق من واجب الأمم المتحدة في ” حفظ السلم والامن الدوليين ” عند تعرضهما للخطر و تُفرض بعد عرض النزاعات على مجلس الآمن وفق المادة ” 37 ” التي نصّت على أنه : إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة” 33 ” في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن ، إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقاً للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع.

ومنها: التدخل العسكري المباشر – فرض مناطق حماية دولية – إنشاء مناطق حظر طيران، نشر قوات حفظ السلام أو قوات فصل ـ أو قوات مراقبة ” خطوط الاشتباك ” … 


وبناءً على ذلك نجد أن عمليّة التيسير هي شكل من أشكال الرعاية الدوليّة وتكون في حالة التدخّل السلمي أي تحت الفصل السادس وهذا ما يُسفر صدور كل القرارات الدوليّة تحت الفصل السادس حتى قرار مجلس الأمن “2118 ” لعام 2013 الخاص بالسلاح الكيماوي، وهي غير ملزمة للأطراف المتفاوضة لآن دور الأمم المتحدة محصور فقط بتأمين الأطر القانونيّة واللوجستيّة عبر المبعوثين الخاصيّن أو اللجان الاستشارية.

وحيث أن الجمعيّة العامة للأمم المتحدة ولا مجلس الآمن الدوليّ لم يسبق لهما أن أصدرا قرارا ينص صراحة على أن النزاع في سورية يشكّل خطراً على الامن والسلم الدوليين رغم صدور عشرات القرارات عنهما. ومازالتا يؤكدان على أن الحل في سوريّة هو حل سلمي فقط ، وما زالت الولايات المتحدة و أوروبا و الدول العربية و الدول الفاعلة في الملف السوري تستبعد أي حل عسكري و تحصر الحل في سوريّة بالحل السياسي.

وحيث أن المعارضة ما زالت تؤكّد وتكرِّر التزامها بالحل السياسي واعترافها بالنظام السوري ممثِّلاً للجمهوريّة العربيّة السوريّة وكان آخرها تصريح رئيس وفد المعارضة للجنة الدستوريّة هادي البحرة، فهي بذلك تُكرّس شرعيّة النظام السوري لأنه يُفهم من ذلك أن شرعيّة النظام ليست محل نزاع وبالتالي يبقى النزاع في سوريّة نزاع داخلي قد يرقى إلى حرب أهليّة التي لا يمكن وقفها إلّا بالتفاوض بين الأطراف على قاعدتين:

الأولى: المساواة في تحمّل المسؤولية عن آثار الحرب الأهليّة، وعن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة والتي تؤدي حتماً إلى الشراكة أو المحاصصة أو تقاسم السلطة مع النظام.

الثانية: أنّ العدالة التصالحيّة بوابة تحقيق السلم الأهلي، الى اسقاط العدالة الجنائية ومحاسبة المجرمين وتمكينهم من الإفلات من العقاب.

فإذا كان اصدار مُجرّد بيان ” قلق ” من مجلس الأمن حول أية مجزرة وحشية في سورية يحتاج توسل أعضائه الـ ” ١٣ ” لروسيا وللصين لتمريره لم ولن يمر. وإذا كانت جميع مشاريع القرارات الخاصة بالقضايا الإنسانيّة وتمرير المساعدات الإنسانية لم تمر إلّا وفقا للشروط الروسيّة، فعن أية خيارات وعن أي فصل سابع ستلجأ إليه المعارضة ضد النظام؟! 


المصدر: رسالة بوست