عبد الناصر حوشان
جاء في تصريح وزير الخارجية التركي، السيد مولود جاويش أوغلو، ما يلي: سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل ” النظام السوري” في إخراج الإرهابيين من المنطقة، إذ من حقه الطبيعي أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين.
وقد أثار هذا التصريح موجة من الغضب والدهشة لدى جمهور الثورة السوريّة، ورغم اختلاف وتباين المواقف منه إلّا أنه يعتبر تحوّل مُلفت في الخِطاب السياسي التركي حيال النظام السوري، وعبّرت المعارضة الرسمية السورية عن ذلك، وكذلك من المجلس الإسلامي الذي أوعز للخطباء و الأئمة بأن يكون موضوع خطبة الجمعة: “لا إرهاب يفوق إرهاب عصابة الأسد” وأكّد على أن أكبر إرهاب في سوريّة هو ما تمارسه عصابات الأسد الطائفيّة الحاكمة وأنها عدوّ للشعب والأمة هي وأذرعها من الأحزاب الانفصاليّة PKK , PYd” ، والميليشيات الطائفيّة.
إن هذا التصريح من وجهة نظر سياسيّة بحتّة هو حركة سياسيّة تركيّة تأتي في إطار صراعها مع كل من النظام وروسيا وإيران من جهة، ومع الولايات المتحدّة وفرنسا وعدد من الدول الأوروبيّة الداعمة لمشروع الحكم الذاتي الإنفصالي، فالنظام وحلفاؤه يتعاملون مع هؤلاء على أنهم قوات رديفة أوكِلت لهم مهمّة محددة وهي ما تقوم به منذ سنوات من قمع الشعب السوري الذي يعيش في مناطق سيطرتها وخاصّة المكون الكردي والعشائر العربيّة هناك، إضافة لذلك فهي رأس حربة النظام وحلفائه ضد الثورة و تركيا، أما الأمريكان و الدول الأوروبية فهم يرون في الإدارة الذاتية مثالًا ناجحاً من الإدارة الفيدراليّة يمكن البناء عليه في وضع تصوّر دولي للحل في سوريّة يقوم على “الفيدارليّة السياسيّة” وهي التعبير السياسي المهذّب عن التقسيم.
إذاً هناك صراع مصالح مباشر بين هذه الأطراف التي تعمل على إدارته بعيداً عن المواجهة العسكريّة المباشرة بين جيوشها على اعتبار أن أية مواجهة مباشرة ستؤدي إلى حرب إقليمية قد تمتد إلى أماكن أخرى من المنطقة، وتركيا مرّت بتجربة مخزيّة مع حلفائها في حلف الناتو حينما أسقطت الطائرة الروسيّة بواسطة الدفاعات الجوية التركيّة والتي على اثرها قام حلف الناتو بسحب بطاريّات الباتريوت من تركيا وتركها وحيدة في مواجهة روسيا ، الأمر الذي كان نقطة التحوّل الجذري في السياسة التركيّة حيال الملف السوريّ، وحيال علاقتها مع دول الإتحاد الأوروبي التي ما تزال تتسم بالتوتر بسبب دعم الأحزاب الإنفصاليّة الكرديّة وكان آخرها موضوع انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو ورفض تركيّا دخولهما بسبب دعمهما لتلك الأحزاب التي انتهت بتوقيع إتفاقيّات تتضمن وقف الدعم عنها وإدراجها على قوائم الإرهاب تسليم المطلوبين.
هذه الشبكة المُعقّدة من العلاقات تجعل الأمور عصيّة على الفهم لدى البعض خاصة العلاقة بين الحلفاء في الناتو، إذ من المفترض أن الولايات المتحدة وأوروبا تقف إلى جانب حليفها التركي والشعب السوري في مواجهة النظام وحلفائه ومرتزقته، ومنها الأحزاب الانفصاليّة” PKK، PYd ” والتي تعتبر الخطر الأكبر على الأمن القومي التركي والذي من المفترض أنه جزء من الأمن القومي الأوروبي عملا بميثاق حلف الناتو، لتقوم بدعمهم وحمايتهم ومنع تركيا من القيام بأي عمل عسكري ضدّهم.
لذلك ومن خلال تصريح معالي الوزير أصبح علينا جميعاً أن نضع النقاط على الحروف، وأن تُحرّر المفاهيم والمصطلحات، والبناء على الحقيقة وليس على الوهم الذي كان سبباً رئيسيّاً من أسباب انتكاساتنا النفسيّة والثوريّة، وكذلك الخلط بين المفاهيم وأهمها مفهومي “الثورة والصراع الدولي” وبين الحليف والصديق، وبين الظهير والعضيد، وبين الراعي والضامن، وبين الإستسلام والواقعيّة السياسيّة وعليه:
فإنّ كل من يعوّل على الخلاص من الأسد على يد دولة أجنبيّة بما فيها الولايات المتحدّة وأوروبا فهو واهم.
وأنّ كل من يعوّل على أن المفاوضات ستحقق الإنتقال السياسي ورحيل الأسد فهو إما مُخادع أو مخدوع.
وأنّ كل من لم يستطع التمييز بين الثورة والصراع الدولي لابُدّ أنه سيذهب فرق حساب في هذا الصراع، فالثورة شيء وما يجري في سوريّة بعد عام 2013 شيء آخر حيث أصبحت ” الثورة ” على هامش الصراع الدولي في سوريّة.
وأنّ النظام بنظر الأمم المتحدّة جزء أساسي من إدارة الصراع في سوريّة ولا يمكن لأي دولة أن تستبعده أو تتجاهله فيما يخص الملف السوري فهو شريك كل الدول التي تدخّلت عسكريّاً في سوريّة بحجة “محاربة الإرهاب” التي تحكمها عدة صكوك دوليّة سُمّيت “الاستراتيجية الدوليّة لمكافحة الإرهاب”.
وأنّ التعويل على تركيا في إسقاط النظام عسكريّاً أو الدخول بحرب مباشرة معه أمر مستحيل لأن تركيا مرهونة بقرار حلف الناتو وبالتالي بالقرار الأمريكي فيما يخصّ قرار السلم والحرب، كما أنها مرهونة بقرارات مجلس الامن الدولي والجمعيّة العامة للأمم المتحدّة التي حظرت على الجميع اللجوء إلى الحلّ العسكريّ في سوريّة، ومع دخول
الفصائل في المفاوضات انسحب الأمر عليها وسريان قرار حظر الحلّ العسكريّ عليها ومن المفترض أيضا أنه يسري على النظام المجرم.
أن المجتمع الدولي حصر الحلّ في سوريّة بالحلّ السياسي وهو يُعبّر عن الإرادة الدوليّة ومن هنا تأتي إلزاميّته لجميع دول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنها الولايات المتحدة وتركيا بما فيهم “أصدقاء الشعب السوري” لذا لن يعملوا على إسقاط النظام لا عسكريّا ولا سياسيّاً وإنما سيتركونه لمصيره هو والمعارضة فإن غلبته في المفاوضات دعموها وإن غلبها دعموه باعتبار أنهم ملتزمون بمبدأ “الحلّ سوري سوري” و تأتي اجتماعات أستانا وسوتشي وغيرها من الاجتماعات والمؤتمرات الثنائية أو الجماعيّة تأتي في سياق رعاية الأمم المتحدّة للحل السياسي في سوريّة إذ أن مخرجات هذه الاجتماعات و المؤتمرات كانت بحضور ومشاركة الأمم المتحدّة و اعتبار هذه المخرجات جزء من آليات تنفيذ الحلّ السياسي ، ومنها أتى مفهوم “الدول الضامِنة” وهو امتداد للرعاية الدوليّة للحلّ وهو أقرب إلى التفويض الدولي لكل من ” روسيا وتركيا وإيران ” لرعاية ومراقبة تنفيذ الأطراف المتفاوضة للالتزامات التعاقدّية الناجمة عن التفاهمات والإتفاقيّات في مؤتمر أستانا وسوتشي.
وحيث أن العداوات بين الدول لا تدوم ولا الصداقات لأنها تُبنى على المصالح، ولكن تبقى العلاقات الدبلوماسيّة هي طريق التعبير عنها، ولا تتطوّر إلى مواجهة عسكريّة ألّا في حالة واحدة وهي التهديد الجديّ والمباشر للأمن القومي.
وعليه وحتى يمكننا البناء على تصريح معالي وزير الخارجيّة وردّات الفعل الثوريّة عليها و الإستفادة منها بالعمل على تأطيرها و تنظيمها لتكون “صحوة ثوريّة” حقيقيّة تعيد الثورة و ثوابتها د، وتنفض عنها ما علق بها من شوائب، ومغالطات وأن نُحصِّن الوعي العام للحاضنة الثوريّة ، و أن نعلم و نوقن بأن الثورة حقّ مشروع ، ولنا استخدام كل الوسائل المشروعة في تحقيق أهدافها أو في الدفاع عنها ، وأن التفاهمات والاتفاقيّات التي قيّدت قوى الثورة هي التزامات متبادلة، يتحمّل الطرف الناكِل مسؤوليّة هذا النكول سواءً كانت مسؤوليّة قانونيّة أو أخلاقيّة، ولم يعد خافياً على أحد ما تقوم به روسيا وايران و النظام من نسف للقرارات الدوليّة ونسف كل التفاهمات والاتفاقيّات ذات الصلة بالملف السوري ، الأمر الذي يجعل قوى الثورة في حِلٍّ من أية التزامات سواء كانت ناتجة عن الإلتزام بالقرارات الدوليّة أو الناتجة عن التفاهمات الإقليميّة ، وينسحب هذا الحِل على الحكومة التركيّة ، وبالتالي لن تخسر الثورة أكثر مما خسرت ويبقى الإمتحان الحقيقي للجميع بما فيهم الأمم المتحدة لإظهار المواقف الحقيقيّة اتجاه الشعب السوري ، وليعلم الجميع بأنه لن يترتب على الثوّار أية مسؤوليّة قانونيّة عن إعلان الحِل من الإتفاقيّات والتفاهمات سوى احتمال رفع الغطاءالسياسي من بعض الدول التي لن تغامر به لأنه ليس من مصلحتها عودة الثورة من جديد أو خسارة قوى الثورة كقوة ضاربة ضد النظام وحلفائه من المؤكّد أن تركيّا لن تُفرّط بالثورة، وأن قوة الثورة من قوة الموقف التركي وضعفها من ضعفه ، وأن قوة موقف الثورة مكسب لنا ولأصدقائنا وحلفائنا جميعاً فلنرفع صوتنا عالياُ بقوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ سورة الحديد، الآية (16)
المصدر: رسالة بوست