رأي

مداخل شيطانية عبر قانون الجريمة الإلكترونية

الأحد, 24 أبريل - 2022

عبد الناصر حوشان


تعتبر الجرائم الإلكترونية جرائم مُستحدثة نشأت مع تطوّر وسائل وتقنيات الاتصالات الإلكترونية الحديثة والتي أصبحت متاحة للجميع، وتعـد معاهـدة بودابسـت لعام 2001 المتعلقة بمكافحـة جرائـم الإنترنت أولـى المعاهـدات المتعلقـة بتلـك الجرائـم وأبــرزت التعــاون والتضامـن الدولـي فـي محاربـة الجرائـم الإلكترونية التــي تتــم عبــر شــبكة الإنترنت والاستخدام الســيء لهــا. 

وقد عددت الاتفاقية عدد من الجرائم منها “النفاذ غير المشروع والاعتراض غير المشروع والتدخل في البيانات، والتدخل في النظام، وإساءة استخدام الأجهزة ذات الصلة بالحاسوب والتزوير والاحتيال والجرائم المتعلقة بالمواد الإباحية عن الأطفال والجرائم المتعلقة بانتهاكات حقوق النشر والتأليف والحقوق ذات الصلة”. 

وتعرَّف الجريمة المعلوماتية بأنها هي الجريمة التي ترتكب باستخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة أو تقع على المنظومات المعلوماتية أو الشبكة بهدف الحصول على منافع أو إلحاق الضرر بالضحية، وغالبا ما يكون هدف المجرم هو سرقة وقرصنة المعلومات الموجودة في الأجهزة، أو إبتزاز الأشخاص بمعلوماتهم المخزنة على أجهزتهم المسروقة بالإضافة إلى استخدام أو تزوير البطاقات الممغنطة بهدف الكسب المادي. 

وقد أصدر النظام السوري المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 الناظم لأحكام الجريمة المعلوماتية وكان هذا المرسوم يتوافق مع اتفاقية بودابست – التي لم ينضم إليها – من حيث تصنيف وتحديد جرائم المعلوماتية، ثم قام هذا النظام بإلغائه واستبداله بالقانون رقم “20” تاريخ 8/4/2022 القاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية، مضيفاً جرائم جديدة ومفاهيم غير منضبطة وعبارات فضفاضة، بالإضافة إلى نقل عدد من الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات العام واستحداث جرائم أخرى وفرض عقوبات جنائية مُشدّدة تفوق تلك العقوبات المنصوص عنها في القوانين الأخرى تصل إلى السجن المؤبد والغرامات المالية ما بين  100 ألف ليرة إلى 15 مليون ليرة سورية، وإحداث ضابطة عدلية خاصة للقيام بمهمة التحرّي واستقصاء هذه الجرائم مؤلفة من خبراء من الأجهزة الأمنية والمخابرات العسكرية ووزارة الداخلية. 

واعتبر بأن الجريمة المعلوماتية: هي كل سلوك مجرَّم وفقاً لأحكام هذا القانون يُقترف بواسطة وسائل تقانة المعلومات، يستهدف المعلومات أو نظم المعلومات أو يرتبط بإضافة محتوى رقمي على الشبكة. 

واعتبر عقوبة الاحتيال الإلكتروني جنائية الوصف، وكذلك الجرائم الواقعة على الدستور والجرائم التي تنال من هيبة الدولة أو من المكانة المالية لها واعتبر أن الجرائم الواقعة على موظف سبباً من أسباب تشديد العقوبات في جرائم التسجيل الصوتي والذم والتحقير والقدح الإلكتروني. 

كما نص القانون على تجريم الشروع في الجرائم الجنحية التي تضمنتها نصوصه، كما اعتبر استخدام الوسائل الإلكترونية في ارتكاب أي جريمة أخرى منصوص عنها في أيٍّ من القوانين الأخرى ظرفاً قانونياً مشدِّدا للعقوبة. 

وحدّد الصلاحية الإقليمية للقانون حيث يُطبّق هذا القانون على أي مقدم خدمات على الشبكة له في الدولة مركز إدارة رئيسي أو فرعي، وذلك بصرف النظر عن جنسيته وعن مكان تأسيسه إذا كان شخصاً اعتبارياً وعن المكان الذي توجد فيه التجهيزات التقنية التي يستخدمها. 

مخاطر هذا القانون: 

النظام يلجأ إلى إصدار القوانين الخاصة لأنها أسهل عليه في الإلغاء أو التعديل على عكس القانون العام الذي يفترض به الثبات والاستقرار حيث أنه من المعروف فقهاً وقانوناً أن القوانين تتميّز عادة بالاستقرار والديمومة، ولكن النظام السوري ضرب هذه الأعراف عرض الحائط، وعلى ما يبدو أنه أصيب بإسهال تشريعي منذ عام 2011 حتى اليوم حيث نراه في كل يوم يصدر تشريعاً أو يعدِّل قانوناً وبعد شهور أو سنة أو سنتين يصدر قانوناً آخر إما تعديلاً وإما إلغاءً وإما استحداثاً بما يتوافق مع سعر صرف الليرة، وكان آخرها القانون 20 الذي حوّله إلى قانون خاص بجرائم أمن الدولة بدل أن يكون خاصاً بجرائم المعلوماتية حيث أصبحت جرائم أمن الدولة موزعة ما بين قانون العقوبات العام، وقانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012 والقانون 15 لعام 2022 والقانون 20 لعام 2022، وأصبحت عقوباتها جنائية الوصف السجن لمدة تتراوح ما بين 3 سنوات الى 15 والغرامات ما بين 5 الى 15 مليون ليرة سورية. 

الخطورة في هذا القانون تكمن في إدراج جرائم سياسية وجرائم تمسّ أمن الدولة منصوص عنها في قانون العقوبات العام مثل تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، أو سلخ جزء من الأرض السورية عن سيادة الدولة، أو إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور، أو قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة، أو بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية، أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد إحداث التدني أو عدم الاستقرار أو زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية، أو الإساءة إلى أحد الأديان أو أحد المقدسات أو الشعائر الدينية أو الحض على الكراهية أو التحريض على العنف، أو نشر محتوىً رقمي على الشبكة بقصد الإتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية أو الترويج لها المنصوص عليها في الجداول الملحقة بقانون المخدرات. 

تعتبر الجرائم الجنائية الوصف في هذا القانون موجِبة لفرض عقوبات “الحجر القانوني والتجريد المدني والمنع من ممارسة الحقوق المدنية” كعقوبات أصلية في الجرائم السياسية والجرائم التي تمس أمن الدولة، وتعتبر عقوبة إضافية تفرض في باقي الجرائم مع العقوبة الجزائية وفق أحكام المادتين “49 و63” من قانون العقوبات العام، الأمر سيفتح الباب لهذا النظام لتجريد معارضيه أو من يحاول أو يُفكِّر أو يشرع في معارضته من أمواله المنقولة وغير المنقولة وحرمانه من حقه في التوظيف أو الترشح أو الانتخاب. 

المصطلحات الفضفاضة مثل “تغيير الدستور بطرق غير مشروعة وحماية مكانة الدولة المالية وحماية هيبة الدولة واحترام الأديان” وهذه المصطلحات في حقيقتها غير موجودة وبالتالي تفقد هذه الجرائم “محلّها القانوني” الذي ينتفي معه العقاب، فلا الدستور ولا مكانة الدولة المالية ولا هيبة الدولة ولا احترام الأديان موجودة منذ بداية الثورة بعد أن نسف النظام الدستور ومزّق وحدة البلاد ودمّر وحدة الشعب وهجّر أكثر من نصفه وتسبب بانهيار الاقتصاد. 

فالدستور الذي يريد حمايته قامت كل من روسيا وإيران بنسفه عبر تشكيل اللجنة دستورية كآلية من آليات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015 ومناقشة هذه اللجنة للدستور تعتبر جريمة وفق المادة “27” من هذا القانون لأنها تتعاطى مع الدستور من خارج الأليات الدستورية المنصوص عنها في المادة “150” منه والذي حصرها بـرئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس الشعب، وإذا سلمنا بقبول النظام تغيير الدستور عبر اللجنة الدستورية فهذا يعني أن الدستور لم يبق محصّناً بل أصبح من حق كل سوري التعاطي به باعتباره من أفراد الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطة. 

لقد حوّل النظام سورية إلى شركة قابضة بالشراكة مع الروس والإيرانيين، ولم يبق لمكانة الدولة المالية وجودا ً، باعتبار أن كل مقدرات البلاد من منشآت عامة ومرافئ ومطارات ومناجم فوسفات وحقول غاز والنفط بيعت للروس والإيرانيين وانتقلت إلى ملكيتهم، وحيث أنّ المكانة المالية للدول ترتبط بالثقة بالعملة وسندات الخزينة، وما يترتب عليه من أثار مثل سحب الاموال المودعة في المصاريف والصناديق العامة، أو بيع سندات الدولة وغيرها من السندات العامة أو الإمساك عن شرائها والدولة هي المسؤولة عن تعزيز مكانتها المالية، عبر إعادة الثقة بالعملة وسندات الخزينة والصناديق العامة، التي تحول دون مقاطعة التعامل بالليرة أو رفض التعامل مع سندات الخزينة أو سحب الأموال وليس تجريم أصحاب هذه الحقوق عن استعمالها، ويحاول النظام ترميم هذه المكانة من خلال فرض عقوبات مالية باهظة على كل نفس يتنفسه السوريون أو على كل حركة يتحركونها، وبيعهم الخدمات الأساسية المفترض أنها مجانية بأعلى الأسعار حتى جواز السفر. 

أما هيبة الدولة فإنها تأتي من احترام الدستور والقانون من قبل السلطة أولاً، ومن ثم من قبل الشعب فلا يمكن قبول الحديث عن هيبة الدولة والنيل منها وتجريم من ينال من هذه الهيبة في الوقت الذي قامت به السلطة بنسف الدستور والقانون والتفريط بكل مقومات السيادة الداخلية والخارجية ورهن القرار الوطني لدى كل من دولتي الغزو “روسيا وإيران”، وتسليط المرتزقة والمجرمين والميليشيات على رقاب الشعب السوري تعمل به قتلاً وتدميراً وتهجيراً، وتصنيف سورية ضمن الدول الأكثر فشلاً وفق التصنيفات الدولية. 

الأعجب من ذلك كله أنه جرّم الترويج الالكتروني للمخدرات بينما إنتاجه وصادراته منها وصلت إلى كل بقاع الأرض وأغرقت الأسواق العالمية وهؤلاء المجرمين يتمتعون بالحماية القانونية والحصانة من أية ملاحقة. 

النظام سيستفيد من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة ومن خدمات منظمة الإنتربول الدولي في هذا المجال في ملاحقة المعارضين استناداً للنصوص الناظمة للتعاون الدولي ومنها “التعاون الأمني – التعاون في التحقيق – التعاون في تدريب القضاة والضابطة العدلية – تبادل المعلومات والبيانات – تسليم المجرمين….”. 

كما يمكنه الاستفادة من هذه الميزات المنصوص عنها في اتفاقية بودابست في حال صادق عليها أو انضم إليها، وتمنحه هذه الاتفاقية كثير من الميزات التي تمكّنه من ملاحقة معارضيه والتضييق عليه. 

يُعتبر هذا القانون انتهاكاً صارخاً للدستور السوري وانتهاكاً للعهد الدولي للأمم المتحدة لعام 1966 المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من المعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان السارية والتي تؤكد حق كل فرد في التعبير عن رأيه دون أي تدخل، وكذلك الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها بغض النظر عن الحدود، علاوة على الحقوق المتعلقة باحترام الخصوصية، وحرصاً منها كذلك على الحق في حماية البيانات الشخصية.


المصدر: نينار برس