رأي

بعد الانتفاضة الفلسطينية وحرب غزة..ماذا كسبت القضية الفلسطينية وماذا خسرت إسرائيل؟

السبت, 29 مايو - 2021

الطريق  - د. باسل معراوي

من المعلوم للجميع أنَّ قطاع غزة ليس محتلاً من قبل إسرائيل...وهذا مايجعل بعض الإسرائيليين يتساءلون: " لماذا يطلق علينا الغزاويون الصواريخ؟"

احتلت إسرائيل القطاع بحرب الأيام الستة 1967 وانسحبت منه عندما كان شارون رئيساً للوزارة عام 2005.

هنا نعود لنطرح سؤالاً: 

هل القضية الفسطينية بدأت بعد حرب ال67 حتى تكون قضية أراضٍ محتلة، أم بدأت بعد وعد بلفور ؟

 قبل ال67 لم تكن سيناء وغزة والجولان والضفة الغربية والقدس محتلة من قبل إسرائيل، وكان الصراع العربي الإسرائيلي قائماً..وهل بتوقيع مصر اتفاقية "كامب ديفيد" وعودة الأراضي المصرية المحتلة انتهى الصراع وعادت المياه لمجاريها؟

ما أريد قوله: إنَّ الصراع ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ فقط، بل في جوهر القضية، وهو عدم قبول إسرائيل بحدودها المعترف بها أممياً كجزء من المنطقة، وعدم حل قضية اللاجئين، واحتلال القدس، وتهويد مزيد من الأراضي الفلسطينية.

 هنا أعاد اشتراك غزة بالانتصار لانتفاضة القدس التأكيد على أنَّ الشعب الفلسطيني واحد أينما كان، في داخل فلسطين التاريخية أو في الشتات.

 وكان قد طرأ بعد اتفاق أوسلو وانسحاب إسرائيل من القطاع وفوز حماس بالانتخابات فيها، وبوفاة الرئيس عرفات واضمحلال دور منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة جامعة لكلِّ الشعب الفلسطيني وممثلاً لقضيته..بات المشهد خطيراً؛ حيث تمثل الانقسام السياسي بين فتح وحماس، وبمعنى آخر بين الضفة والقطاع..هذا الانقسام السياسي جاء مدعوماً بانفصال جغرافي، ووجود تباين أيديولوجي واضح بين الفريقين؛ حيث تشكلت سلطتان مختلفتان بكلِّ شيء، بل متصارعتان، لكلِّ سلطةٍ موظفوها وقواتها الأمنية وحكومتها وعلاقاتها الدولية.

وإزاء فشل كل محاولات التقريب والإصلاح بينهما، بات الأمر موحياً على المدى المتوسط بتشكل هويتين فلسطينيتين، وتشتت فلسطينيي الشتات بينهما إلى نتائج كارثية.

أعادت لحمة الشعب الفلسطيني الأحداث الأخيرة واصطفافها خلف قضية واحدة مركزها الأقصى والقدس، إلى تبديد تلك المخاوف والعمل على رأب الصدع والتخفيف من حدة وآثار الانقسام بين الحركتين(فتح وحماس) على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

 وقد كان لاستراتيجية الردع الفلسطينية المتمثلة بوصول الصواريخ محلية الصنع إلى كامل الأراضي المحتلة، وشل حركة الاقتصاد والمجتمع ونزول الإسرائيليين إلى الملاجىء أثرٌ بالغ الأهمية في عقيدة الأمن والدفاع الإسرائيلية، وسقوط أوهام القبَّة الحديدية والتفوق العسكري الكاسح في تحقيق الأمن للإسرائيليين.

ولأول مرة وُجِد انطباع عام لدى الجمهور الاسرائيلي أنَّ إسرائيل خسرت المعركة، وأنَّ غزة والفلسطينيين عموماً قد ربحوا هذه الجولة.

وبالاهتمام الدولي المتزايد لوقف الحرب وزيارة وزير الخارجية الأمريكية للمنطقة، بعد جهود كبيرة بذلها الرئيس بايدن مع مختلف الأطراف للتوصل إلى وقف إطلاق نار شفهي بعد 11 يوماً من القصف الهمجي الإسرائيلي، ومحاولة التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، أدَّى هذا الاهتمام إلى جذب القضية الفلسطينية من جديد الاهتمام الدولي، وليس الاكتفاء بتقديم مساعدات إنسانية.

وقد أظهرت الانتفاضة الأخيرة حقيقة الوجه القبيح لإسرائيل؛ من ناحية أنها دولة احتلال استيطاني ونظام فصل عنصري ودولة ميليشيات..حيث كانت الشرطة تأتي بقطعان المستوطنين المسلحين بالكراهية والسلاح وتقوم بتفريق المظاهرات والاحتجاجات، بل وتعتدي على الفلسطينيين وأملاكهم، في داخل الخط الأخضر والضفة، دون أية مساءلة قانونية فيما بعد.

 ولايمكن تجاهل ظهور مشهد جديد في الولايات المتحدة تجلى بارتفاع أصوات مهمة من داخل الحزب الديمقراطي الحاكم، مطالبة بإدانة أفعال إسرائيل الإجرامية وعرقلة بيع صفقات أسلحة لها بالكونغرس، وهو أمر يحصل لأول مرة..

أيضاً، لايمكن نسيان تلك المظاهرة المؤيدة للشعب الفلسطيني التي خرجت في لندن، وضمت أكثر من 100 ألف متظاهر، إضافة إلى خروج مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في كثير من المدن والعواصم العالمية المهمَّة، وعدم خروج أية مظاهرة داعمة لإسرائيل.

رافق ذلك، للجيل الثالث والرابع من فلسطينيي الشتات، البحثُ عن جوابٍ لسؤالٍ يؤرقهم: من نحن؟..

حيث تبلورت هُوِيَّة فلسطينية جامعة عابرة للجغرافية.

 هذه بعض المكاسب التي حققتها الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة، معيدةً إلى الواجهة حقيقتها الواضحة بأنَّها قضية عالمية محقَّة، تصارع آخر أشكال الاستعمار الاستيطاني، وفي كونها القضية الفلسطينية التي مازالت قضيةَ الأمة العربية الرئيسية الموحِّدة لجميع العرب، وهي تلفظ أصوات النشاز الصادرة عن المهرولين وراء التطبيع وصفقة القرن.