الطريق- باسل معراوي
تشكّل الحدود العراقية السورية البالغة 620 كم أهمية كبرى، ليس للبلدين (العراق وسورية) فحسب، بل لمجمل الصراع أو التنافس الجاري في المنطقة..
إذ تمتاز تلك الحدود بطبيعتها الصحراوية المنبسطة والتي لاتضم أية موانع طبيعية..ولذلك يتم التنقل من خلالها بسهولة.
تقع الحدود بين البلدين ضمن محافظة الأنبار العراقية والتي تقابلها البادية السورية لمحافظتي حمص وريف دمشق ..وكان معبر الوليد هو المعبر النظامي بين البلدين، والمجاور لمثلث التنف، نقطة التقاءالحدود السورية العراقية الأردنية، والتي تتواجد بها قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقاعدة التنف العسكرية..وترتبط الأنبار العراقية بالأراضي السورية في محافظة دير الزور عبر معبر البوكمال.
وترتبط محافظة نينوى بمحافظة الحسكة بمسافة 240 كم، يتخللها معبر اليعربية (المغلق حالياً) ومعبر سيمالكا على نهر دجلة الذي يربط إقليم كردستان العراق بمناطق سيطرة ما يسمَّى بقوات سورية الديمقراطية "قسد".
تكتسي الحدود العراقية السورية أهمية كبرى، وتتنازع السيطرة عليها عدة قوى..
قاعدة التنف العسكرية ومحيطها ال55كم تتواجد بها إضافة لقوات التحالف الدولي قوات مغاوير الثورة، وهي إحدى تشكيلات الجيش الحر التي ظهرت بعد الثورة السورية...وإلى الشمال تسيطر فصائل الحشد الشعبي العراقي (المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحرس الثوري الإيراني) وبعض تشكيلات الدولة العراقية من قوات حرس حدود، وبعض تشكيلات من الجيش العراقي ووزارة الداخلية...وأهم تلك المناطق معبر البوكمال الحيوي والمهم جداً.
كانت تلك الحدود مغلقة لفترات طويلة إبَّان الخلاف العراقي السوري المزمن، واكتسبت أهمية كبرى بعد الغزو الأمريكي للعراق؛ إذ كثيراً ما تسلل منها المتطوعون الراغبون بقتال جيش الاحتلال الأمريكي.
ازدادت أهميتها كثيراً بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على معظم الإقليم السني في وسط العراق، مع امتداده إلى أطراف مدينة حلب السورية حيث أزال الحدود وأطلق عليها اسم "الخلافة الإسلامية".
وبهزيمة التنظيم في سوريا والعراق، عادت الحدود إلى شكلها السابق؛ لكن مع سيطرة فصائل الحشد الشعبي العراقي على قسم منها وامتداده داخل سورية والعراق، حيث فرض سيطرته الكاملة على معبر البوكمال، وفي الوقت ذاته تسيطر قسد على الحدود شمال البوكمال بعد هزيمة التنظيم في آخر معاقله بالباغوز.
أهمية معبر البوكمال الحدودي
يعتبر معبر البوكمال بين سوريا والعراق الشريانَ الحيوي البري، الذي يربط جغرافيا العراق بمحور إيران الإقليمي الواصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا ولبنان ..ومنه يتم عبور كل أشكال الدعم البشري واللوجستي للنظام السوري وحزب الله اللبناني؛ لذلك فهو يمثل أهمية كبرى في المشروع الإقليمي لإيران، الذي ينفذه الحرس الثوري الإيراني.
وتشكل تلك الحدود أماكن مفضلة لتنقل مجموعات تنظيم داعش بين سوريا والعراق، كما أن تلك الحدود تعتبر إحدى طرق مرور الأفيون والمخدرات القادمة من أفغانستان إلى أوربا والخليج العربي.
بدأت الحكومة العراقية بعد هزيمة تنظيم داعش، وبمساعدة من القوات الأمريكية، بالاهتمام أكثر بمراقبة الحدود..فقامت بحفر خندق بعرض 3 أمتار وعمق 3 أمتار على جزء مهم من الحدود، وزودته بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة حرارية ومناطيد وطائرات بدون طيار، لمنع أو رصد أي حركة تسلل عبر الحدود، بالإضافة لزيادة عدد القوات البشرية التي تحميه.
جدار الصد العراقي
أعلنت قيادة الجيش العراقي أنها بصدد إنشاء جدار صد جديد على الحدود، بعد أسابيع قليلة من إعلان السلطات العراقية الانتهاء من حفر الخندق الحدودي مع سوريا؛ حيث صرَّح معاون رئيس أركان الجيش العراقي قيس المحمداوي " إنشاء جدار صد على الحدود بهدف تأمينها"،
ولم يوضح الفريق المحمداوي طبيعة "جدار الصد" الذي يهدف إلى دعم الجهود السابقة التي أدت إلى حفر الخندق لمنع التسلل على جانبي الحدود.
لكنّ مصدراً عسكرياً عراقياً، قال: إنّ المقصود بهذا الجدار نشر وحدات إضافية من الجيش العراقي؛ لتدعيم قوات حرس الحدود الحالية وليس بناء جدار إسمنتي..
وفي اتصال لمصدر عسكري عراقي مع إحدى الوسائل الإعلامية العربية، بيّن أنّ" قوة جدار الصد الجديدة ستزود بمعدات متطورة لرصد أي تحرك مشبوه على الحدود" وأضاف أنّ " هناك تفاهماً مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لمساعدة العراق في تجهيز هذه القوة بمعدات جديدة ومتطورة..بينها أجهزة استشعار حرارية، وأخرى تعمل عن بعد، وأبراج حماية جديدة مع تكثيف الطيران المسير ليصل إلى نحو 20 ساعة مراقبة باليوم؛ لمنع أي خروقات أو محاولات تسلل لعناصر تنظيم داعش الإرهابي أو المهربين"
تزامن زيارة فالح الفياض لدمشق وعلي مملوك لطهران
يتوسط معبر البوكمال مع العراق ثلاث قواعد أمريكية مهمة في المنطقة، وهي: التنف السورية، وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية (وهي من أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة)، وقاعدة حقل العمر في دير الزور.
بعد أحداث سجن غويران بمدينة الحسكة، ومقتل أمير داعش، جاءت زيارة السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي، والقائد العام للجيش العراقي، للحدود العراقية، ثمّ توجيهه بالإسراع ببناء جدار الصد الدفاعي، لم ترتح طهران ودمشق وفصائل الحشد العراقية التي خسرت الانتخابات العراقية الأخيرة، والتي تناصب السيد الكاظمي العداء، والتي تم اتهامها بمحاولة اغتياله ..واتهامها له بأنه ينفذ الأجندات الأمريكية بالعراق؛ فتخوَّفت الفصائل الموالية لإيران من تحرك أو نية مبيته لعمل عسكري ما، يستهدف السيطرة الكاملة لقوات الجيش العراقي على معبر البوكمال الرسمي والمعابر غير الشرعية العديدة المتواجدة، ونزع سيطرة فصائل الحشد الشعبي عنها، ما سوف يهدد الشريان الواصل من طهران إلى بيروت وقطعه؛ لذلك شعرت حكومة النظام في دمشق وفصائل الحشد وطهران بالرعب...وأظن أنّ المشاورات التي أجراها الفياض في دمشق مع رئيس النظام السوري (والفياض هو رئيس هيئة الحشد الشعبي)، بالإضافة إلى مباحثات علي مملوك مع أمين سر مجلس الأمن القومي الايراني، ثمّ لقائه برئيس نظام الملالي إبراهيم رئيسي، تصب في محاولة التنسيق لإفشال أي جهد حكومي عراقي بدعم التحالف الدولي للسيطرة الكاملة على الحدود السورية العراقية وإبعاد الحشد الشعبي عنها.