رأي

إلى أين ستصل الاحتجاجات في السويداء..وهل تمتد للساحل؟

الثلاثاء, 8 فبراير - 2022

الطريق- د باسل معراوي


 تحظى محافظة السويداء أو جبل العرب بأهمية خاصة عند النظام السوري؛ فقبل اندلاع الثورة السورية كانت كل المحافظات السورية التي لها حدود مع دولة مجاورة، يتم إنشاء معبر حدودي لتسهيل التواصل السكاني وحركة التجارة منها وإليها. في السويداء لم يتم إنشاء معبر حدودي مع الأردن؛ لإحكام عزلتها عن الخارج.

وكما في بقية المناطق السورية، عانت السويداء من سياسة ممنهجة من قِبل النظام لتعويم الحثالة؛ إمعاناً في إبعاد أو تهميش الشخصيات الوطنية أو وجوه العائلات العريقة، ومصادرة القرار المجتمعي عبر ادعائه أو اعتماده على حفنة مرتزقة موالية من كلِّ منطقة أو طائفة أو إثنية..ودائماً ما كانت مسامع وأنظار السوريين تتابع أسماء بعينها، يختارها النظام من كلِّ منطقة لشغل المناصب الرسمية الرئيسية بالدولة، بحجة إشراك الجميع، دون أن يكون لتلك الأسماء أي تمثيل أو بعد شعبي أو حتى احترام لها، وهي غالباً ما تكون منغمسة في الفساد والإفساد، ولا تخدم مطالب منطقتها أو مناطق السوريين عامة.

 وحرص النظام السوري على إبعاد المناطق السورية ذات الخصائص الطائفية أو ما يصلح على تسميتها بالمكونات الطائفية، من الاشتراك مع بقية إخوانهم في الثورة المباركة، ونجح في ذلك للأسف عبر امتصاص الاحتجاجات المبكرة التي قامت بها النخب وبعض الجمهور الواعي الوطني بأساليب شتى؛ لكي يقدم نفسه للعالم أنه يحارب الإرهاب المنبثق من الأغلبية السنية وأن لا ثورة شعبية وطنية ضدَّه، بل حركات إرهابية طائفية، وغالى بذلك؛ إذ تمكن من رسم صورة قدمها للخارج أنَّ النظام الحالي هو الوحيد الكفيل بحماية الأقليات بسوريا ومنع اضطهادها أو تهجيرها، وأنه الوحيد المؤهل للحفاظ على التنوع الديني والعرقي في سوريا، وأنَّ إزاحته تعني الفوضى والخراب وتطاير شرر الحروب الأهلية، ليس في سورية فقط بل بالمشرق العربي كله.

 حصلت عدة انتفاضات محدودة بالجبل، كان أخطرها ما تمخض عن تشكيل حركة شيوخ الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، الذي قتله النظام فيما بعد. كانت تلك الحركة مسلحة بأسلحة بسيطة، ولكنها كانت تقدم خطاباً مناهضاً لخطاب مشيخة العقل الموالي للنظام، وتمكنت من تشكيل ما يشبه الملاذ الآمن لأبناء المحافظة المتخلفين عن الخدمة العسكرية في ميليشيا النظام. وكان النظام السوري حريصاً على عدم خروج الثورة المكبوتة في النفوس للعلن، فتراخى بملاحقة المطلوبين للخدمة العسكرية، والأهم من ذلك عمل على تخويف المحافظة بتهيئة الأجواء لهجوم داعش من البادية على أرياف المدينة وارتكابهم مذبحةً وخطفاً للمدنيين، وهم الدواعش أنفسهم الذين أخرجهم بالباصات الخضراء، من مخيم اليرموك وجنوب العاصمة إلى ريف المحافظة الشرقي.

وكان الأمر لا يخلو من مناوشات مع بدو حوران، وأخيراً مع ميليشيا أحمد العودة التابعة للروس...

الأسباب المباشرة لانتفاضة السويداء

ليس السؤال "لماذا اندلعت شرارة الاحتجاجات الآن؟"، بل: لماذا تأخّرَتْ إلى هذا الوقت؟

لاشك أنَّ النظام استهلك كلَّ الشعارات التي كان يوعد بها السكان في مناطق سيطرته، فقد وعدهم بالنصر وقال إنَّه انتصر على المؤامرة الكونية...واكتشف الناس زيف ادعاءاته إذ إنها المرة الوحيدة بالتاريخ التي تكون حالة (المنتصر) مثل أو أسوأ من حالة (المنهزم). كان الانسداد السياسي والاقتصادي بادياً بالأفق وتأكّد لاحقاً ــ ليس بسبب قانون قيصر للعقوبات الأمريكية أو الحصار الاقتصادي الدولي كما يدّعي النظام ــ فلم تتحسن الحالة المعيشية للمواطنين، بالرغم من توقف العمليات الحربية الكبرى منذ عامين على الأقل.. ولم يحصل أي تطبيع سياسي مع العرب أو الغرب..

 يدرك المواطنون القاطنون في مناطق سيطرة النظام، أنَّ الحل سياسي وليس اقتصادياً بالأساس؛ إذ إنَّ منظومة الفساد ومنظومة تجّار الحرب اللتين أنشأهما النظام قادرتان على امتصاص أي فوائض اقتصادية أو مساعدات خارجية ..وأنّ عودة الإعمار وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي مرهونة بعملية الانتقال السياسي المنصوص عليها بمتن القرار الدولي 2254

 ويدرك الجمهور أنَّ النظام السوري لا يرغب ولا يقدر على التجاوب أو الإقدام على أي عملية إصلاح سياسي، أو إشراك للمعارضة بأي شكل من أشكال الحكم أو حتى الحكومة، فقد عطل كلَّ المسارات والمبادرات وأفرغها من مضمونها.

 كان واضحاً أنَّ الحالة الاقتصادية، والتي هي انعكاس للحالة السياسية، في طريقها للتدهور أكثر، عبر سيطرة شبه مطلقة لمافيا الفساد الحاكمة مع أذرع إيرانية وروسية متغلغلة في عمق الاقتصاد السوري وتبحث عن مصالحها..

كانت الديون الهائلة التي تسبب بها النظام لصالح كل من روسيا وإيران، أو اتفاقيات الإرغام التي وقعها معهم على استثمار ما تبقى من ثروات، هي السبب الحقيقي لسلسلة عمليات رفع الدعم عن السلع الرئيسية الأساسية للمواطنين ..حيث أخرجت القرارات الأخيرة حوالي 600 ألف أسرة سورية من شرائح دعم المواد الأساسية، كل ذلك لتوفير الأموال لتغذية شبكات الفساد الحكومية وتمويل متطلبات ومصاريف قوات النظام العسكرية، وتوفير الرواتب لمليوني موظف ومتقاعد حكومي.

توقع وصول الاحتجاجات للساحل السوري

ذاب الثلج وبان المرج، وأفرزت الحرب التي دفع عشرات الألوف حياتَهم ثمناً لها، الحرب التي شنها النظام السوري على ما يفترض أنهم شعبه، أفرزت مدناً وقرى للأرامل والأيتام ذهبت حياة أبنائهم للحفاظ على مُلْكٍ لأسرة مستبدة لم تفي بأي وعدٍ قطعتْه لهم، بل زادت إمعاناً في إذلالهم؛ حيث يعاني سكان الساحل السوري ممَّا يعانيه كل السكان الباقين بمناطق سيطرة النظام، بل أشد؛ بسبب ما ذكرته عن فقدان الأبناء كوقود بحرب النظام على الشعب وانتشار البطالة والجوع والفقر وعدم وجود بصيص أمل للتخلص من ذلك، بل تفاقمها على الأرجح.

كان النظام يدرك مآلات المستقبل؛ لذلك لم يمانع، بل سهَّل هجرة الشباب أو من يرغب بترك البلد عبر تسهيلات غير معتادة بمنح جوازات السفر وإجراء تسريح متتالٍ من قطعاته العسكرية وأخذ البدل من القادرين، وتسهيل هجرة الكفاءات العلمية للخارج. وقد وصل الأطباء السوريون إلى الصومال، ومنهم من وصل إلى الحدود البيلاروسية البولونية...هذه الشريحة التي تم تسهيل تهجيرها هي الفئة التي كان يخشاها النظام، والتي كان من الممكن أن تقود عملية الاحتجاجات ضدَّه.

إنَّ الترف والبذخ الهائلَين لأفراد من عائلة الأسد ومحاسيبهم وميليشياتهم؛ باقتناء السيارات الفاخرة والهواتف النقالة الحديثة ومظاهر الإثراء الفاحش، مقابل أغلبية مسحوقة جائعة وفاقدة للأمل، هو من الأسباب المرجِّحة لحدوث تلك الاحتجاجات المتوقعة، التي باتت ملموسة على وسائل التواصل الاجتماعي أو تصريحات النخب الفنية والثقافية ..بحيث بات اتهام النظام بالفساد والتسبب بكل تلك الكوارث حدثاً عادياً، ولم يتبقَ إلا النزول من الفضاء الافتراضي إلى الشارع وانطلاق احتجاجات يخشاها النظام ولا يقدر أن يستعمل معها ما يتقنه من حلول أمنية وقمعية.

لا يوجد حل اقتصادي عند النظام، لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل القريب أو البعيد.

وقد يكون من الصواب عدم مشاركة جمهور الداخل السوري بأي احتجاجات الآن، بل تقديم الدعم والمساندة؛ لئلّا يستغلها النظام ويقمعها بقسوة ويتهمها بالإرهاب والتطرف ويخيف بهما الحاضنة المعوَّل على انتفاضتها...

 من المرجَّح تصاعد انتفاضة السويداء، وتحولها من مطلبية إلى وطنية، وقد بدأنا نلمس ذلك باللافتات المرفوعة، ولا عجب أنَّ الاحتجاجات ستصل إلى مدن وقرى الساحل؛ لأنَّه كما يقول الإمام علي: عجبتُ لمن لا يجد قوتَ يومِه، كيف لا يخرج إلى الشارع حاملاً سيفه!.