رأي

السيادة الوطنية في جمهورية أبناء آوى

الأربعاء, 20 أكتوبر - 2021

الطريق-عبد الناصر حوشان

ظهر مفهوم السيادة الوطنية في الفترة التي رافقت كلاً من النظام الملكي والإقطاعي، بحيث يكون للملِك السلطة الكاملة للتحكم في المملكة، أي ما يسمَّى حق الملك في إقطاعه، وهو أحد الأنظمة اللامتناهية، أو غير المتجزئة. 

وتعتبر السيادة الوطنية من المفاهيم السياسية التي ترتبط بشكل مباشر بحقوق الإنسان، وخاصة المساواة والعدالة والمواطنة، وترتبط بنظام الحكم التمثيلي، من حيث إنَّ السيادة حق الشعب وليست حقّ السلطة، بل إنَّ السلطة نفسَها تستمد سيادتها من سيادة الشعب؛ باعتبارها تُمارَس بتفويض من الشعب عبر الانتخابات. 

والسيادة الوطنية ركنٌ جوهري في نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، وهي مبدأ سياسي أساسي من مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة، وهي من أهم المحددات السياسية والقانونية للدولة كعضو في المجتمع الدولي، يتجسد بموجبها الاستقلال الوطني للدولة، ومساراتها مع الوحدات والكيانات السياسية الأخرى المشكلة للنظام الدولي.

وهي من ناحية ثانية اصطلاح قانوني؛ يُعبر عن صفة من له السلطة، وهو لا يستمد هذه السلطة إلا من ذاته، ولا يشاركه فيها غيره، والسيادة أشمل من السلطة، إذ إنَّ السلطة هي ممارسة السيادة.

• مقوّمات السيادة الوطنية:

تقوم السيادة على عدة مقومات، وهي: " التنمية – احترام الحقوق – نظام دستوري "

 التنمية، بحيث لا يمكن تطبيق هذه السيادة بمعزل عن طرق التنمية. 

واحترام السلطة للحقوق؛ أي لحقوق المواطنين، بحيث يضمن ذلك أن يعيش الشخص بصورة كريمة، ويمارس حرياته وحقوقه بدون أي قيود، بما في ذلك كلّاً من حرية التجارة، حرية التنقل، حرية التعبير عن الآراء. 

والنظام الدستوري، أو الدولة الدستورية، حيث لا يمكن تطبيق السيادة الوطنية بمعزل عن احترام الدستور والقوانين التي يتضمنها. 

• وللسيادة الوطنية مظهران:

 الأول: (خارجي) يتمثّل بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شؤونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول، وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد، وهي التعبير عن الاستقلال السياسي، وعدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأي دولة أجنبية، والحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى، وتعني معاملة الدولة على قدم المساواة مع غيرها من الدول ذات السيادة، ولا يمنع هذا من ارتباطها وتقييدها بالتزامات أو معاهدات دولية مع غيرها من الدول. 

والمظهر الثاني: (داخلي)، ويتجلّى ببسط سلطانها على إقليمها وولاياتها، وبسط سلطانها على كلِّ الرعايا، وتطبيق أنظمتها عليهم جميعاً، ولا ينبغي أن يوجد داخل الدولة سلطة أخرى أقوى من سلطة الدولة، وينبغي أن تكون سلطة الدولة على سكانها سامية وشاملة، وألا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها. 

وكِلا المظهرين في الدولة مرتبط بالآخر؛ فسيادتها الخارجية هي شرط لتحقيق سيادتها الداخلية.

• ومن خلال إسقاط مفهوم السيادة الوطنية والبحث عن وجوده، وعن مقومات ومظاهر السيادة الوطنية الخارجية والداخلية على الدولة السورية التي تسلّط عليها نظام طائفي حاقد، عائلي لئيم، أفقد الدولة كلَّ مقومات وجودها وأطاح بمظاهر السيادة الوطنية الداخلية والخارجية، يتبيَّن ما يأتي:

- إنَّ تحويل البلاد من دولة ذات مقومات وركائز أساسية دستورية وقانونية وسياسية واجتماعية وثقافية، إلى مزرعة أو إقطاعية عائلية تديرها مجموعات من "المُرابعين، والوقّافين، والعسس " وتكريس سلطة الإقطاعي اللئيم من خلال اختزال الدولة السورية بسورية الأسد، أفقد الدولة سيادتها وأسقطها من منظومة الدولة القانونية والدستورية.

- وحيث إنَّ مقومات السيادة الثلاثة " التنمية، واحترام الحقوق والحريات، واحترام الدستور " مفقودة؛ بسبب طغيان النظام الدكتاتوري الاستبدادي الذي نهب وسرق كلَّ الثروات الوطنية على مدى سنين تسلّطه واستبداده في سورية، وهدر الثروات الوطنية وباعها للشركات الأجنبية خلال فترة الثورة؛ من خلال العقود التي أبرمها مع أعداء الشعب السوري من الإيرانيين والروس وحلفائهم.

- إنَّ المطالبة باحترام الحقوق والحريات الأساسية في سورية جريمة تصل إلى جريمة الخيانة العظمى، في المفهوم القانوني والدستوري والسياسي للنظام الحاكم؛ والدليل ما اقترفته أجهزة هذا النظام وعصاباته من قتل وتدمير واغتصاب وتهجير وتشريد وأعمل تخريب، لا مثيل لها في الجاهلية ولا في العصور الوسطى، أو على مدى التاريخ الإنساني.

-الدستور هذه " الدمية " التي يلعب بها النظام كيف يشاء؛ فيعدّله حين يشاء، وينسفه حين يشاء، ويأكله حين يشاء، ويتغوّطه حين يشاء / حتى إنه بعدما تغوّطه جاءه أمر أسياده في الكرملين وطهران، فعاد ليجترّه في جنيف.

-أمَّا مظاهر السيادة الخارجية للدولة السورية في عهد النظام، فتتجلّى بقيادة " المبعوث الرئاسي الروسي الخاص " في سوريا، والذي منحه الرئيس الروسي بوتين صفة الممثِّل فوق العادة له، وفوضه بصلاحيات الرئيس الروسي في تنظيم وإدارة الدولة السورية، وتنفيذ الأوامر الروسية على مستوى تعيين الحكومات وإقالتها، وتعيين القيادات العسكرية والأمنية وعزلها، والتوقيع عن الدولة السورية في الاتفاقيات الإقليمية والدولية؛ كاتفاقيات وتفاهمات " أستانا و سوتشي " وحضور الروس في كلِّ المحافل الدولية حتى التفاوض مع البنك الدولي باسم النظام السوري، وأصبح قرار السلم والحرب بيد ذلك المبعوث، والبيع والشراء، وإدارة الاقتصاد بيده.

أليست كلّ هذه المظاهر كافية لأن نقول بأن السيادة الوطنية بخير، وفي أعلى درجات الاحترام !

-أمَّا مظاهر السيادة الداخلية، فتتجلى بوجود مرتزقة فاغنر الروسية و بوجود " 67 " ميليشيا طائفية مذهبية أجنبية تقودها إيران من خلال الحرس الثوري "فرع ولاية سورية "، و أكثر من 500 ميليشيا محلية "طائفية – إجرامية" وتمارس كل واحدة من هذه الميليشيات في مناطق نفوذها السيادة الوطنية الكاملة بقيادة زعيم هذه الميليشيا؛ فهو الرئيس وهو الدستور وهو القانون وهو المُشرِّع وهو القاضي وهو الوزارة، فكل ما يقع تحت يده في هذه المناطقة هو غنيمة دستورية وقانونية، وهي هبة من القائد العام بشار أسد لهذه الميليشيات.

•النتيجة: 

-إنَّ السيادة الحقيقة هي ملك الشعب، وما السلطة إلا أداةً لممارسة هذه السيادة ومظهراً من مظاهر التعبير عن إرادة هذا الشعب، وبما أنَّ الشعب السوري نزع الشرعية "المفقودة أصلاً " فلا شرعية بعدها لأي تصرف أو عقد أو اتفاق أو أي إجراءات قام بها النظام أو سيقوم بها مستقبلاً.

- بلدٌ مستباحُ لمن هبَّ ودبَّ، وبدعوة مِن، وبرغبة وإرادة، حاكمٍ متسلط دكتاتوري استقدم كلَّ مرتزقة الأرض إلى هذه البلاد الطاهرة، وإنَّ حديثه ومنظومته العفِنة عن السيادة الوطنية هي بجاحةُ مستبدٍّ صَلِف ووقاحة قوّادٍ عاهر، وهو استخفاف بعقول الناس، وتخدير لعقول مؤيديه ومجرميه، وللحفاظ على بقيةٍ من ماء وجهه الذميم أمامهم.

-بحثنا عن السيادة ومفهومها المتعارف عليه، وعن مقوماتها وعن مظاهرها، فلم نجد شيئاً، إنما وجدنا أن سورية مهد الحضارات ومنارة الأمم قد تحوّلت إلى مُجرد إقطاعية، ترتع فيها قطعان اللصوص والقتلة والمجرمين، وتكتظّ شوارعها وأزقّتها بمواخير العهر والمُتعة، ولم يعد يُعرف الأصيل من الدخيل، ولا يعرف الشريف من الدنيء، ولم يعد المواطن يأمن بوائقَ النظام ولا شرّ عصابات العهر والإجرام.

-وبحثنا عن ثرواتنا الوطنية وعائداتها في تحقيق التنمية، فوجدناها مُسجّلة باسم شركات أجنبية روسية وإيرانية، حتى شواطئنا ومرافئنا ومطاراتنا وغازنا ونفطنا وفوسفاتنا وبترولنا ليس لنا، وأصبح حلم المواطن رغيف خبزٍ أو أسطوانة غاز أو ليتر وقود أو برميل ماء للشرب.

وبحثنا عن أمننا الداخلي والخارجي، وسألنا عن جيشنا ومخابراتنا، فوجدناها مجرد ميليشيات تأتمر بإمرة ضابط روسي أو زنديق إيراني، وإذ بها مشغولة في سرقة الفستق الحلبي والزيتون والشّفلّح، وبتأجير الأراضي العائدة للشعب المُهجّر، ونهب أرزاقهم، ووجدناها مشغولة في تنظيف أنقاض البيوت التي دمّرتها طائرات العدو الروسي وصواريخ العدو الإيراني من " حديدها وحجارتها وسيراميكها، ومن غسالاتها وبرادتها وأبوابها وحجارة مراحضيها حتى مساميرها "، باعتبارها ملكاً لسيّدهم جُحا الأسد.

ذكرتني مطالبة وفد اللجنة الدستورية الأسدي بإدانة الاحتلالات، بقصة جرت معي في إحدى المحاكم العسكرية التي كنت أعمل بها سابقاً، وهي باختصار: " قدمت إلينا موجوداً " مخفورةً" إحداهنَّ بجرم ممارسة الدعارة، فتلقّى القاضي التحقيقات على غير العادة واحتفظ بها في درج مكتبه، وكانت تلك السيدة جميلة جداً، وأثارت شهية القاضي نحوها، وأخذ يراودها عن نفسها، وهي ترفض، وكان يحضرها كلَّ يوم إلى مكتبه ويصلبها إلى الحائط من الصباح حتى نهاية الدوام الرسمي، واستمرت الحال لأكثر من عشرة أيام، وكالعادة دخلتُ مع ملفات التحقيق اليومية فوجدتها تصرخ في وجهه قائلة " نعم إني داعرة وعاهرة، وسأبيع جسدي لمن يشتهيه، بل ونكاية بك سأهبه لمن أراد بلا ثمن، ولن أمكنك من نفسي، ولن تحلُم بذلك حتى لو حكمت عليَّ بالإعدام ".

 فتصوّروا حتى العاهرة عندها الشجاعة والجُرأة أن تُسمّي الأشياء بمسمياتها وترفض ما لا تريد، أمَّا هذا النظام الخسيس النذل الدنيء الوضيع، فلا يجرؤ على الوقوف بوجه أحد سوى الشعب الحرّ، ويطالب بإدانة الاحتلالات التي استقدمها ويُشرعن وجودها من خلال ادعاء شرعيته، فهو من طالب بتفعيل اتفاقية الصداقة الروسية السورية، وهو من وقّع اتفاقيات التعاون العسكري مع إيران، وهو من فوّض إيران وروسيا بالتوقيع عنه في أستانا وسوتشي، وكان دخول القوات التركية الوحيد الذي استند إلى سند قانوني حقيقي "اتفاقية أضنة " التي تم توسعة بعض بنودها بتفاهمات أستانا وسوتشي. وتناسى هذا العاهر الوقِح أنَّ اتفاقيات الدفاع المُشترك والتعاون العسكري تُفعّل ضدَّ العدوان الخارجي وليس ضدَّ شعب ثائر طالب بحقوقه الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وعشر سنوات من تفعيلها لم نجد أيّاً منها أطلق أو تجرَّأ أو سيتجرَّأ على أن يطلق طلقة ضدَّ " عدوٍ خارجي " بل على العكس ما وجدناها ألا وقد أعملت فينا القتل والتدمير والتهجير والحصار والتجويع، فعن أي سيادة يتحدثون، وعن أي وطنٍ يدافعون، وعن أي شعبٍ يمثّلون؟ أولئك الزنادقةُ الفَجَرةُ العاهرون.