الطريق- درويش خليفة
أسئلة كثيرة تدور في أذهان شعوب المنطقة العربية، أبرزها الدور المنوط بالعاهل الأردني، لاسيَّما بعد زيارته واشنطن ولقائه مع سيد البيت الأبيض، كأول زعيم عربي وشرق أوسطي. وكذلك ذهابه إلى موسكو لإطلاع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على نتائج اجتماعه بالرئيس الأمريكي "جون بايدن"، إضافةً إلى ما حمله الملك الأردني في جعبته من مقترحات بشأن دول الهلال الخصيب المتعثرة نتيجة للتدخل الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان وإبداء اهتمام أكبر بالقضية السورية، الأمر الذي أعاد المنطقة الشامية إلى عقود من التخلف والترهل الاقتصادي.
وفي ضوء تلك الزيارات وما سبقها من إعادة تموضع للجيش الأمريكي ومكوثه الأخير في قاعدة الأزرق الأردنية، وتوقيع المملكة الهاشمية مع إدارة بايدن في فبراير/ شباط الماضي الاتفاقية العسكرية لمدة 15 عاماً، الأمر الذي يضع الأردن في صفوف سياسة اليسار الديمقراطي الأمريكي. كما يندرج هذا أيضاً في إطار التحديات؛ إذا لم يسعف الحظ المملكة الأردنية بإعادة الاستقرار للمنطقة في حال غادرت الإدارة الأمريكية الحالية البيت الأبيض بانتخابات الرئاسة في نوفمبر 2024، وعاد الجمهوريون ومعهم صفقة القرن التي عارضها العاهل الأردني عبدالله الثاني في عهد ترامب.
الاتصال الذي تلقاه العاهل الأردني من نظيره السوري بشار الأسد، يعبر عن تطبيع كامل للعلاقات الأردنية السورية. وبالتالي، قد نشهد دوراً للأردن في المستقبل القريب أو المتوسط لاستقبال لقاءات تجمع النظام السوري مع الإسرائيليين. الأمر الذي قد يجنب الأردن الصدمات الداخلية، بعد أنّ تعرضت المملكة الأردنية لصدمتين تتعلقان بشخص الملك خلال الستة شهور الماضية، إحداهما الخلاف مع الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني، والأخرى تزامنت مع اتصال بشار الأسد بالعاهل الأردني، عندما نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقرير بما يسمَّى "أوراق باندورا" التي كشفت عن أكبر تسريب للأرصدة الخارجية لحكام وفنانين، ومعلومات تتعلق بممتلكات تعود لـ 14 من الزعماء والقادة الحاليين، بينهم الملك الأردني، الذي يمتلك عقارات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، في وقتٍ يمر الأردن فيه بوضعٍ اقتصادي متهالك.
وقد أكد بعض الدبلوماسيين الأردنيين ومتصدري شاشات الفضائيات في مناسبات عديدة؛ أنَّ الاتصالات بين الجانبين السوري والأردني لم تنقطع خلال السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يثير الاستغراب، بعد إن استقبلت عمّان مكتب التنسيق العسكري لمناطق جنوب سوريا (موك) الموكل إليه تنسيق آلية الدعم لفصائل حوران حتى عام 2018.
بشكل واضح، الأردن ليس لديه رؤية واستراتيجية كاملة للمنطقة ولعلاقاته المستقبلية مع سوريا، بل إنَّ تحركاته الدبلوماسية تقتصر على ما يسمح به الضوء الأخضر الأمريكي، ثمَّ الدعم المادي العربي الذي يقيده قانون قيصر الصادر عن الكونغرس وبإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
في حقيقة الواقع، الدول العربية تتصرف كل منها وفق مصالحها، بعيداً عن آلية الدفاع المشترك، إذ يرى البعض أنَّ الأردن يغرد خارج السرب بعد أن أضحت إيران العدو الأول للعرب، وليس إسرائيل، كما كان الحال في العقود التي سبقت العقد الماضي.
ومن هذا المبدأ نجد أنَّ الأردن أصبح في صلب القضية السورية، وقد يكون صندوق البريد ما بين قادة الدول والنظام السوري، في ظل غياب وعجز كامل للمعارضة السياسية بجميع أطيافها.
هل يتعلق تقرير باندورا بمواقف العاهل الأردني؟
حسب التقرير الصَّادر عن منظمة الشَّفافية الدَّولية، فإنَّ الأردن حلَّ بالمرتبة الخامسة عربياً بين الدول الأقل فساداً، لذا من السهل اتهام الملك عبد الله الثاني بانعدام الشفافية، بالرغم من محدودية الموارد الأردنية، والاعتماد في معظم الأحيان على المساعدات الخارجية. وبحسب الوثائق المسربة من "أوراق باندورا"، قام العاهل الأردني بشراء ممتلكات في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية منذ أن بدأت الاحتجاجات تجتاح العالم العربي، تحديداً في عام 2011.
وتشير أوراق باندورا إلى أنَّ "الملك الأردني عبد الله الثاني أنفق أكثر من 106 مليون دولار على منازل فاخرة في ماليبو، كاليفورنيا، واشنطن"، في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى.
إلا أنَّ السواد الأكبر من الأردنيين دافعوا عن ملكهم، معتبرين الاتهامات الموجة إليه بسبب مبادئه من القضية الفلسطينية وثباته على مواقفه العربية والإسلامية.
والبعض الآخر أتى على ذكر مقطع من كتاب الملك الراحل الحسين بن طلال "مهنتي كملك" عندما تحدث عن قصة الدراجة الهوائية التي أهداه إيَّاها ابن عمه، الأمر الذي اضطر والدته لبيعها بسبب وضع العائلة المالي الباعث للهم والقلق آنذاك، وذاك التاريخ للأسرة الحاكمة هو ما استند إليه جمهور المعارضة الأردني لإثبات حالة الفساد الحالية بناءً على الأوراق المسربة، في وقتٍ تمرُّ فيه على البلاد ظروف اقتصادية ومعيشية حرجة.