الطريق- درويش خليفة
لطالما كانت مباراة ناديي الاتحاد والوحدة، الفريقين اللذَين يمتلكان جماهيرية كبيرة في سوريا، محط انتظار ومتابعة كبيرة وخاصة في كرة السلة، حيث يجمع الناديان نخبة لاعبي سوريا، وأكثرهم شهرة على الصعيد المحلي والعربي، منذ ذاك الزمان الجميل للعبة المثقفين كما يسمونها في سوريا، إذ كان في صفوف الفريقين لاعبون لديهم مؤهلات وتحصيل جامعي مثل الطبيب ماهر خياطة، والمهندس مازن أبو سعدة، والمحامي صلاح الشوا في الاتحاد، وكذلك الأمر في الوحدة بوجود طريف قوطرش الحاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال، وآخرون مثل أنور عبد الحي وشريف الشريف.
وتتسم لقاءات الفريقين بتشنج يسبق المباراة بأيام، حتى وإن لم يكُن أحدهما منافساً على البطولة، وهو ما أدى إلى أن تحمل لقاءاتهما في كرة القدم والسلة طابعاً مناطقياً، وهتافات غالباً ما تكون جارحة بحق المدينتين اللتين ينحدران منها، وهما عاصمتا سوريا، السياسية (دمشق) والاقتصادية (حلب).
في إحدى المباريات التي جمعت الفريقين بكرة القدم، قام مشجعو الوحدة بضرب أحد أعضاء رابطة مشجعي الاتحاد، الملقب "علي شيبوب"، ما يعني أنه لا يمكن أن ينتهي لقاء بين الناديين دون وقوع حادث مأساوي، أقلها تبادل الشتائم والعراك بين مجموعات من مشجعي الفريقين.
ومن هنا نجد أن الرياضة كقطاع ترفيهي من شأنها أن تعزز الروح الوطنية والألفة بين المجتمعات، لكنها في سوريا وبحكم تدخل السلطة بكلِّ شاردة وواردة، قام الحزب الحاكم بتغيير أسماء الأندية والانحياز لنادٍ دون سواه، فضلاً عن نقل فريق بلدة الأسد (جبلة) إلى مصاف الدرجة الأولى والحصول على بطولة دوري كرة القدم عدة مرات بالإجبار!
وفي هذا السياق، لا يمكن التغافل عن حالة التنافس السلبي بين أبناء المدن التي كان أحد إفرازاتها التعصب للأندية الرياضية في سوريا، وتغاضي النظام عنها في كثير من الأحيان، ويمكن أن نقول إنَّ آباء مشجعي الفرق المتنافسة باتوا يخشون على أبنائهم من حضور المباريات بعد كم العنف الذي كان يرافقها.
وتماشياً مع ما تم ذكره، فإنَّ العلاقة بين دمشق وحلب تحكمها المنافسة في العديد من المجالات والمستويات، وهو ما ينعكس في كثير من الأحيان على المدينتين سلباً، وهو ليس بجديد بل بدأ مع تشكل "الكتلة الوطنية" وتوجه الحزبين الرئيسين فيها بعد الاستقلال كل منهما نحو محور عربي يختلف في توجهاته عن الآخر، حيث كان توجه حزب الشعب ذي الأكثرية الحلبية نحو حلف بغداد بسبب القرب الجغرافي والمصالح الاقتصادية، وبعكسه ذهب الحزب الوطني نحو حلف الرياض، مما خلق حالة تنافس كبيرة تضاءلت في زمن الوحدة مع مصر 1958.
ودائماً ما يشعر الحلبيون أنّهم تعرضوا لظلمٍ محلي، وغض طرف دمشقي جراء تقليص حدودهم الجغرافية عندما قامت حكومة الوحدة حينئذ بإحداث محافظة إدلبـ وتم اقتطاع مناطق واسعة تصل إلى مشارف الساحل السوري عند منطقة جسر الشغور.
ومن المعروف أن المناطق المقتطعة غنية بالمواسم الزراعية، خصوصاً (الفستق الحلبي والزيتون) وفيها ممرّ رئيسي باتجاه الموانئ، وفيما لو بقيت تلك الأراضِي لتضاعف الزخم الاقتصادي، بحيث تجتمع حينها الزراعة بالصناعة التي تتميز بها عن باقي المحافظات، بعد أن فقدت حلب وصولها إلى ضفاف ميناء إسكندرون وقت ترسيم الحدود السورية التركية.
واستناداً إلى ما سبق بات كل ما يشير ﻠـ "الوحدة" سواء في الرياضة أو السياسة سبباً للتفرقة بين المحافظتين الأكبر، اللّتين تمثلان ثقلاً اقتصادياً وسياسياً مؤثراً على مستوى المنطقة وليس سوريا فقط.
لكن هل يمكن أن نرجح ما حدث بين جمهور الناديين، وخصوصاً الشتائم التي طالت حلب طيلة فترة اللقاء من جماهير نادي الوحدة الدمشقي على أنها لا تتعدى الصالة الرياضية التي أقيمت عليها المباراة؟ أم أن هناك محركاً لها، هدفه الانقسام المجتمعي وتسخيف مشكلة السوريين الاقتصادية مع النظام، وتحويلها لمشاكل رياضية ثانوية!
قد يكون الأرجح أن هناك من خطط لتشويه صورة الدمشقيين من خلال هذه المظاهر، ولا سيما خلال العقدين الماضيين عبر مسلسلات البيئة الشامية التي دائماً ما يشير المؤلفون والمخرجون فيها لحالة عداء بين حارتين متجاورتين، وبأنّ الدمشقيين كانت حياتهم في ظل الانتداب الفرنسي لسوريا مقتصرة على العنتريات والخلافات البينية.
وفي ضوء تلك المعطيات لا يمكن تبرِئة النظام من هذه المسؤولية، وضلوع مخابراته في إيصال التنافس السلبي بين المدينتين إلى مرحلة يصعُب احتواؤها، حتى وإن كانت مسبباتها – مباراة – تؤدي في النهاية لانفجار شعبي كبير، يكون هو الخاسر الأكبر فيها.