رأي

الأزمة الأوكرانية.. تفضح ازدواجية القيم الإنسانية

الاثنين, 14 مارس - 2022

الطريق- درويش خليفة


كثيراً ما كانت أزمة اللاجئين في أوروبا خلال السنوات السبع الماضية، حاضرة في خطابات وبرامج الأحزاب اليمينية الأوروبية، مع التركيز على الثقافات المختلفة للاجئين القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا وأفغانستان.

ويمكن القول: إن لجوء 1.1 مليون سوري إلى أوروبا أيقظ هواجس النادي المسيحي من وصول أشخاص راديكاليين تتعارض ميولهم الدينية مع الحريات المطلقة في أوروبا. 

الأوروبيون يخشون فعلاً الاصطدام بثقافة جديدة يصعُب عليهم الاندماج معها، ويسعون دائماً إلى النأي بأنفسهم عن المشكلات والتنافس الدولي على حساب أمنهم وسلامهم في ظل الاضطرابات التي حدثت خلال العقد الماضي، التي تخللها ظهور تنظيم الدولة "داعش" في سوريا والعراق. 

لكن سرعان ما وضعت أوروبا هواجسها جانباً، لتستقبل بلدانها خلال الأسبوعين الأخيرين ما يقرب من 2.5 مليون أوكراني، عقب الغزو الروسي، واشتداد المعارك هناك، بل وكان حجم التضامن مع الأوكرانيين واضحاً، وتلقوا ترحيباً منقطع النظير، خاصة في الدول التي عارضت أحزابها اليمينية في كل من بولندا والتشيك وسلوفاكيا والمجر، استقبال لاجئين من آسيا وأفريقيا ذوي بشرة غامقة، أو ما يسمون بدول الجنوب. 

الحسابات العنصرية حاضرة 

في خضم النزوح الأوكراني، تم الكشف عن حالات تمييز في المعاملة على الحدود على أساس العرق، وهو ما أدى إلى حالة من الجدل. 

ورد وزير الخارجية الأوكراني "دميترو كوليبا" على تقارير عن التمييز يوم الثلاثاء الماضي، مغرداً على تويتر أن "الحكومة الأوكرانية لا تدخر جهداً لحل المشكلة"، وأضاف أيضًا أن "أوكرانيا أنشأت خطاً ساخناً للطوارئ لمساعدة الطلاب الأفارقة والآسيويين وغيرهم من الطلاب الراغبين في مغادرة أوكرانيا".

وجاءت تلك التصريحات، إثر تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع طالب نيجيري، كانت الشرطة الأوكرانية قد رفضت السماح له بالصعود إلى القطار المتجه إلى بولندا، بعد بقائه ستة أيام في محطة لفيف هولوفني في مدينة لفيف، في الأسبوع الأول من العدوان الروسي على أوكرانيا. 

وأمَّا التصريح المزلزل، فكان على لسان المرشح الرئاسي الفرنسي "ايريك زمور"، الملقب بـ "ترامب فرنسا"، قائلاً، إن "المهاجرين (اللاجئين) الأوكرانيين أوربيون مسيحيون، لذلك هم أقرب إلينا من العرب المسلمين أو الشرق الأوسط".

لكن بالمقابل، لا يعبر "زمور" عن القيم الإنسانية الأوروبية، فهو في المركز الرابع بين المرشحين الفرنسيين لرئاسة الجمهورية، ويحظى بثقة 11 في المئة فقط من مجموع المستطلع رأيهم مؤخراً. 

يُمكن تفهم التفاف الغرب حول الأزمة الأوكرانية وتعاطفهم مع لاجئيها، وخاصة أن المعتدي هو حكومة بوتين الروسية، التي يعلمون عن إجرامها الكثير وما فعلته في غروزني الشيشانية، وحلب وإدلب السوريتين؛ من قصف للمدارس والمستشفيات ودور العبادة. 

ويمكن الجزم بأن تضامن الغرب مع الأوكرانيين ليس إنسانيا أو عرقياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، وهو ما أثبتته أنواع وكميات الأسلحة التي وصلت كييف، بينها مضادات للدروع والطيران، وقد طالبَ بها السوريون مراراً لردع سلاح الجو الروسي من تحويل أبنائهم إلى أشلاء أو مبتوري الأطراف، لكن للدول الغربية حساباتها الخاصة من أن تصل المضادات إلى أيدي القوى المتشددة في سوريا.

ولا مناص من القول إنَّ الازدواجية، تتعارض مع القيم الإنسانية ومبادئ المساواة والعدالة في التعاطي مع القضايا الحقة، فما تشهده أوكرانيا اليوم، مرَّ على السوريين وعلى شعوب من قبلهم، كالفلسطينيين والعراقيين والأفارقة.

ويمكن قبول التناقض في المواقف السياسية واللعب على حبال البراغماتية، لكن من غير المقبول بتاتاً التناقض في المواقف الإنسانية على حساب اللون أو العرق.