الطريق- درويش خليفة
لا تكاد أن تهدأ موجات الغضب وردود الأفعال والتفسيرات، التي أعقبت بيان الإخوان المسلمين في سوريا، المنشور على صفحتهم الرسمية بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول بعنوان: "كيانٌ يدمن العدوان.. وعصابة تدمن القتل والترويع" والذين عبروا فيه عن إدانتهم الضربة الإسرائيلية التي استهدفت ميناء اللاذقية، والتي ألحقت أضراراً كبيرة أدت إلى احتراق الحاويات المركونة هناك، وتحطيم واجهات المباني المجاورة للميناء. إلا أن وسائل الإعلام الموالية، لم تركز سوى على الحرائق التي ظلت فرق الإطفاء تعمل على إخمادها طيلة عشرين ساعة، وهو ما يشير إلى حجم الضربة، وما تخفيه الحاويات القادمة من طهران بداخلها.
وفي الأثناء، خالف بيان الإخوان المسلمين، توقعات السوريين، ووضع الجماعة في خانة المتحالفين مع إيران، لا سيما وأنهم في صفوف المعارضة الرسمية ولديهم ممثلون فيها، سواء في الائتلاف أو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، بالإضافة إلى مسار أستانا.
وما زاد من استهجان عموم السوريين حول بيان الإخوان، أنَّه تزامن مع البيان الختامي للجولة 17 في أستانا، حيث أدان المجتمعون هناك الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لسوريا، ومن المعروف أنَّ رئيس وفد المعارضة في هذا المسار "أحمد طعمة" محسوب على التيار الإسلامي ومقرّب من جماعة الإخوان السوريين.
وبشكل واضح وبلا أدنى شك، فإنَّ أي استهداف لمصالح إيران وميلشياتها في سوريا سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف المحور الذي يدار من طهران، وبالتالي هذا ما سيُكسب المعارضة نقاطاً دون عناء منها على حساب النظام، وهو ما من شأنه أن يعمق المصائب التي تعصف بالأسد ويضيق الخناق حوله.
وما عزز من رواية المعارضين للنظام والإخوان معاً، هو التسريب الذي نشرته صحيفة تركية، يتحدث عن لقاء جمع الاستخبارات التركية مع نظرائها السوريين (نظام الأسد) في مدينة العقبة الأردنية. وكما هو معروف، أن الحزب الحاكم في تركيا من الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين في دول الثورات العربية التي انطلقت بداية العقد الماضي.
الواقع يقول؛ إنَّ الجماعة لا تحظى بتأييد الشارع السوري سواء المعارض أو الموالي، الأمر الذي يضعها في حالة تخبط دائم، إضافة إلى الصراعات البينية داخلها من حيث المناطقية بين الحلبيين والحمويين، وكذلك صراع الأجيال، فهناك تيار يحاول جاهداً لأن تبدل الجماعة من نهجها، لتواكب المتغيرات والانفتاح الذي أحدثته الثورة الرقمية والعولمة التي اعترت دول المنطقة، على عكس تيار آخر يرى بأنَّ "الإسلام هو الحل"، وهو مالا يتناسب مع طبيعة الديمغرافية السورية، دون مراعاة منهم للتحولات التي تطرأ على العالم، بعد فيضانات التنظيمات الجهادية بمذهبيها السني والشيعي، والتي ظهرت جلياً في البيئات المضطربة، مثل حالة ليبيا، وسوريا، واليمن، والعراق، وتصدير حزب الله اللبناني إرهابه إلى دول المنطقة خدمة للمشروع الإيراني وطموحاته التوسعية في العديد من الدول المحيطة، وليس انتهاءً بعودة "حركة طالبان الإسلامية" لحكم أفغانستان.
وفي السياق ذاته، حاولت استيضاح أسباب نشر البيان مع أحد المنتسبين السابقين للإخوان، والذي كان منفيًا في الأردن، ولم ينكر الرجل أن البيان في غير محله وتوقيته، معتبراً إياه مخزياً، وبأنَّ السكوت كان أفضل لهم، لكنه لم يضمر أن البيان؛ نتيجة للمناطقية التي تسيطر على المراقب العام عن جماعة الإخوان السورية "محمد حكمت وليد"، قائلاً " تتعرض المدن السورية لعدوان صهيوني ونصيري منذ عشر سنوات، ما الذي دفع بالجماعة لإصدار بيان في هذه المرة؟"، لولا أن المراقب ينحدر من مدينة اللاذقية!
يبدو أن جماعة الإخوان قد أدركت حقيقة أنَّ المراهنة على الأكثرية العددية السورية (المسلمون السنة)، لم تعد مجدية على المستوى السياسي، فأذرعهم الإغاثية والعسكرية، لم تستطع تسويق مشروعهم بالشكل الأمثل في الميدان، وبالتالي الاستثمار في الإخفاقات لا يمكن أن يجعل منهم ماركة وطنية مسجلة لدى عموم السوريين.
استخدام الشعارات لأغراض سياسية، هو جزء من ذاكرة السوريين التي حملوها معهم طيلة سنوات حكم حزب البعث وقادته الأسديين، لذا؛ أخطأ الإسلامويون عندما أفرطوا فيها خلال العقد الماضي، مما أفقدهم الزخم الذي بنوا عليه آمالاً كبيرة، وربما كانوا محقين في البدايات لتجييش الشارع وملامسة مشاعره الفطرية، كما يفعل الخامنئي بين الحين والآخر في تهييج وتحريض الإيرانيين وأنصاره من العرب المذهبيين ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
إذاً، اليوم وقبل أي وقت آخر، الإسلامويون مطالَبون بمراجعة عميقة لمقارباتهم ومواقفهم، فضلاً عن تحالفاتهم، والابتعاد عن إضفاء القدسية على أنشطتهم، وأكثر من ذلك؛ ألا يربطون النقد الذي يطالهم بالدين الحنيف، حيث يذكرنا تاريخ المنطقة دائما، بإنَّ السياسة القائمة على الإيديولوجية عمرها قصير، ولا سيما في مجتمعاتنا التي قلّما تثق بتيار أو حزب سياسي، بعد التجارب القومية والاشتراكية التي عايشتها منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي.