الطريق- درويش خليفة
لم يكن حديث الممثل السوري عباس النوري لراديو المدينة إف إم، مفاجئاً لجمهور الثورة والمعارضة من حيث السرد التاريخي؛ لأنه لم يضف شيئاً جديداً، لكن قوة كلامه جاءت من ثلاثة عناصر؛ المكان: المقابلة كانت في العاصمة دمشق. الزمان: بعد عودة رفعت الأسد إلى سوريا والذي استهدفه بشكل مباشر دون أن يذكر اسمه. التفاعل: حيث تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع المقابلتين؛ الأولى كان فيها مهاجما شرساً، والثانية متواضعاً بسبب تأثير العنصر الثالث على ما ورد فيهما.
استعرض النوري بحسرة طغت على صوته، الحياة الديمقراطية والتعددية الحزبية في سوريا قبيل حكم العسكر، ملمِّحاً كيف سحق حكم الأسد الأوتوقراطي هذه التجربة التي كانت منارة في ظلام المنطقة حينئذ، رغم كثرة الانقلابات العسكرية.
في الحقيقة، أبدى النوري جرأة منقطعة النظير بحديثه الأول لراديو "المدينة إف إم" محاولاً إظهار وجهاً آخر لسوريا، بعد عقدٍ دامٍ دفع خلاله الشعب السوري مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين وتهجير ما يقرب من نصفه، فداءً لحرية الرأي والتعبير؛ لكن سرعان ما حُذف الفيديو من قبل الإذاعة المضيفة، بل ودعوا الممثل السوري إلى لقاء ثانٍ لتفسير كلامه بما يرضي السلطة وفروعها الأمنية.
حاول المذيع أخذ عباس النوري إلى مقارنة مع دول الخليج في موضوع الحريات، لكنه فاجأ المذيع عندما شدّد على أنَّ الفارق شاسع بين سوريا (الأسد) ودول الخليج من حيث الحريات، حتى وصلت به الجرأة إلى أن يتطرق للدستور، قائلاً: إنَّ "السوري لا يعرف شيئاً عن دستور بلده، والدستور يضع حدوداً للحاكم والمحكوم".
من سمعَ مقابلة النوري الأولى، يتراءى له أن الرجل باع حياته للوطن وكلمة الحق، حتى وإن فقد حياته، خاصة بعزفه على لحن أموال المصرف المركزي التي سلّبها "رفعت الأسد"، عم رأس النظام عام 1984 قبل مغادرته سوريا إلى روسيا، ثم فرنسا التي مكث فيها إلى أن عاد قبل أشهر قليلة.
لكن الممثل السوري في لقائه الثاني وعلى الكرسي نفسه – أنكر حديثه الأول – عن سرقة "رفعت" لأموال السوريين، زاعماً أنه "استند إلى كلام الشارع وليس على معلومات"! ناهيك عن سحب كلامه حول حكم العسكر مرجعاً قصده لعام 1959، أي قبل وصول الأسد الأب إلى السلطة.
يتضح أنَّ "حلقة المختار" على راديو المدينة لم تكن عادية رغم بثها المباشر، خاصة لحظة الحديث عن الدستور أو الحوار العام، والأكثر وضوحاً، أنَّ المذيع باسل محرز كان يفنّد كل ما قاله عباس النوري في المقابلة الأولى، وكأنَّ معدّ البرنامج ضابط أمن بفرع الخطيب.
وضع الممثل السوري الرأي العام أمام حقيقة التهديدات التي تلقاها، دون الإشارة لمرسليها، معتبراً أنها لا تتعدى جمهور السوشال ميديا، أي ليسوا من أزلام النظام، مع العلم أن زوجته عنود الخالد، أول من طالبَ السوريين، بنشر هاشتاغ "متضامن مع عباس النوري". وهو ما يوحي بوجود تهديدات جديّة وصلت لزوجها؛ فقد شارك العديد من مدوني منصة تويتر الهاشتاغ.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يطالب فيها فنانون سوريون بإجراء إصلاحات اقتصادية وتحسين الظروف المعيشية في سوريا خلال العقد الأخير، ولكن للمرة الأولى يدور الحديث عن فساد تاريخي وآني عبر الإعلام الموالي ومن شخص بشهرة عباس النوري، المعروف بقربه من النظام؛ فهل سيكون النوري ضحية الصراعات البينية وتصفية الحسابات داخل جسد النظام؟ أم، كما يقول بعض السوريين، بأنه مدفوع من طرف ما لتصفية حسابات قديمة جديدة، مستغلين الظروف التي تمرّ بها البلاد لوضع جميع الملفات على طاولة الرأي العام؟
اللافت في موضوع عباس النوري، هو تعاطي رواد التواصل الاجتماعي مع الحادثة، ومحاولة كل طرف الاستفادة منها، فكثر في مجموعات التواصل الحديث كيف نشجع أمثال عباس على الاستمرار في فضح جرائم النظام، وبأن أي صوت يخرج من الداخل ولا سيما من قادة الرأي يضاهي عشرات آلاف الأصوات من هم في الخارج، ويعود ذلك لأسباب عديدة؛ كقوة التأثير، وتحفيز الموجوعين من آلام الفقر ونقص المواد الأساسية وبرد الشتاء ليرفعوا صوتهم عالياً، فالصمت قاتل بكل الأحوال.