الطريق- درويش خليفة
منذ سيطرة النظام السوري على المنطقة الصناعية في "الشيخ نجار" شمال شرق حلب منتصف 2014، وحكومته تواصل مطالبة الصناعيين بالعودة لتشغيل مصانعهم دون أن تعيد تأهيل البنى التحتية الصناعية وصيانتها، من خلال توفير الكهرباء والوقود والمواد الأولية، بعد أن شهدت المنطقة هناك معارك استمرت قرابة عامين، في ثاني أكبر مدينة صناعية في سوريا.
حينها، سارع وزير الصناعة كمال الدين طعمة للإعلان عن وجود "خطط عمل جاهزة لإقلاع مدينة الشيخ نجار الصناعية" إلا أنَّ وزارته بعد أكثر من 92 شهراً لم تستطع تأمينَ شيءٍ للصناعيين، بل إنّ الحكومة بكل وزارتها لم توفر الكهرباء بشكل متواصل للمدينة الصناعية، وأدى ذلك إلى قيام أحد الصناعيين بمهاجمة مدير الكهرباء في حلب، وبحضور 70 من صناعيي المدينة، موجهاً له كلمات من العيار الثقيل لم يعتد عليها المسؤولون في سوريا؛ وهو ما دفع رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي، المعروف بولائه الأعمى للنظام إلى ترطيب الأجواء في تصريحه لصحيفة الوطن الموالية، ناقلاً معاناة الصناعيين من فترة الانقطاعات العشوائية خارج أوقات التقنين، ومبيناً أنَّ "الانقطاعات العشوائية تسبب التلف في المنتجات وأعطالاً في الآلات وأنظمة تشغيلها مما يعرضهم لخســائر كبيرة".
ليأتي بعد ذلك قرار الحكومة الأخير ويزيد الطينَ بَلَّة، برفع سعر طن الفيول إلى مليون و25 ألف ليرة سورية، في سلسلة متتالية لرفع سعر المادة بعد آخر زيادة في السعر قبل 6 أشهر عندما وصل طن الفيول 620 ألف ليرة، بعد أن كان 510 آلاف ليرة سورية، وبالتالي فإنَّ هذه الزيادة ستنعكس سلباً على الإنتاج الصناعي وترفع تكاليفه؛ ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات على المستهلكين.
وبشكلٍ واضح، أصبحت الحكومة في مواجهة مع الصناعيين الحلبيين، وحلب معروفة بأنّها عاصمة الصناعات النسيجية والأقمشة في العالم العربي، فقبل أشهر قليلة أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قراراً يسمح باستيراد الأقمشة لجميع المستوردين، وهو ما يؤدي لتدمير هذا القطاع من الصناعة السورية، وإغلاق مصانع الأقمشة والمصابغ ومعامل الغزل، في وقتٍ كان الصناعيون يتنظرون فيه دعماً حكومياً لتعويضهم عن فروق الأسعار بين الألبسة المحلية والأجنبية، على غرار تجربة تركيا ومصر.
اليوم، ثمّة تساؤلات تدور في ذهن الصناعي السوري، من بينها: لماذا تضع الحكومة العصي بعجلة الصناعة المحلية؟.. ولصالح مَن؟
من غير المستبعد أن تكون القرارات الحكومية في هذا الإطار، بتوجيه من قيادة الفرقة الرابعة الموالية للحرس الثوري الإيراني، لإدخال الشركات الإيرانية أو استيراد بضائعها، وبالتالي إنعاش الاقتصاد الإيراني المتهالك جراء العقوبات الأمريكية، على حساب الصناعيين السوريين، في وقت ليست سوريا بمنأى عن العقوبات الغربية أيضاً.
وهنا لا بدّ من بيان أنَّ الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الخمس الماضية، ساهمت في تعميق الأزمة الصناعية والتجارية باستيرادها المواد الأساسية من إيران، وهذا ما وضع الصناعي في حالة خمول، لم يعتد عليها الحلبيون.
في الحقيقة قرارات حكومة النظام تضعنا أمام سؤالين: هل ما تصدره من قرارات، نتيجة تخبط وعدم وجود استراتيجية تساهم في الحدّ من العقوبات المتتالية، وإيجاد حلول للصناعيين؟ أم أنها منهجية لرد جزء من الجميل للحرس الثوري الإيراني وجناحه الاقتصادي، لوقوفهم إلى جانب النظام في حربه على الشعب السوري؟
وفقاً للنظرة الشاملة للموضوع، قد تكون هاتان الفرضيتان واقعيتين؛ لأنَّ ما يحدث ما هو إلا نتاج عقلية تُدار بها سوريا، كما كانت عليه الأمور قبل آذار 2011 وقت قامت الثورة لتغيّر الواقع المرير لجميع السوريين.
لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إخفاء الارتباك وسوء الإدارة على قرارات النظام طيلة الفترة الماضية، فالحكومات المتعاقبة لم تستطع حلّ أي من المشكلات التي تخص حياة المواطن على مستوى التعليم والصحة، وتأمين فرص عمل تعود على القاطنين بمناطق سيطرة الأسد دخلاً شهرياً يؤمن متطلبات معيشتهم بحدها الأدنى؛ وهذا كان جلياً في موضوع توزيع البطاقة الذكية، ثم تخفيض المواد والخدمات التي يحصل عليها المستفيدون، ليأتي فيما بعد قرار خفض عدد الحاصلين عليها، وتحدث موجة انتقادات من قبل بعض الصحافيين والفنانين.
أمَّا الفرضية الثانية، فهي واقعية بالنظر إلى عدد الناقلات البحرية التي تزود النظام بالمواد الغذائية والأقمشة والمشتقات النفطية، وبالتالي المنفعة تعود على الطرفين (النظامين السوري والإيراني)، على حساب الصناعة المحلية، وكانت الصناعات النسيجية والألبسة بين أهم الصادرات، "ففي عام 2010 حققت صادرات بحجم نحو 12 مليار دولار، لكن هذا الحجم انخفض بنسبة 90% نتيجة خروج معظم المعامل عن الخدمة وخاصة في حلب، ليبلغ في الأعوام الأخيرة نحو نصف مليار دولار للعام الواحد كأقصى تقدير، بحسب مدير عام هيئة تنمية وترويج الصادرات إيهاب اسمندر".
ولا ينبغي أن نحمِّل الصراع المسلح الذي تركز بمعظمه في المدن الصغيرة والأرياف سببَ هذا التراجع الكبير، على الرغم من وجود أسباب موضوعية كالعقوبات التي فُرِضت على النظام؛ بسبب تعنته على طاولة المفاوضات ورفضه تطبيقَ القرارات الدولية.