الطريق - درويش خليفة
تكمن أهمية مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة من خلال توقيت انعقاده في ظل الابتعاد الأمريكي عن قضايا المنطقة، واجتماع الفرقاء تحت سقف واحد على مستوى صانعي السياسات الخارجية لكلٍّ من البلدان المشاركة، إذ لم تشاهد شعوبُ المنطقة في الأعوام الأخيرة صوراً تجمع دبلوماسيي السعودية مع نظرائهم الإيرانيين، وزعماء الإمارات ومصر مع أمير قطر.
محاولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في مساعدة بلاده كي تتخطى حقل الألغام التي غرستها سياسات أسلافه، ولا سيَّما تلك التي نشر بذورها نوري المالكي، تتطلب جهوداً مضاعفة، كان قد بدأ الكاظمي العمل على تجاوزها مع وصوله إلى رئاسة الحكومة، وتقاربه مع محيطه العربي، وإبقاء العراق على مسافة واحدة من جميع المتخاصمين الإقليميين، والعمل على تقريب وجهات النظر بينهما، مستفيداً من المصالحة الخليجية التي جرت في قمة العلا بوقت سابق من هذا العام، والمصالحات العربية، والتركية/ العربية التي أعقبت ذلك، والتي أسفرت عن حضور وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإماراتي محمد بن راشد، والأهم من ذلك؛ وجود وزيري خارجية السعودية وإيران في قاعة واحدة.
وكما كان متوقعاً، اقتصرت معظم كلمات الزعماء ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية الحاضرين على الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، بعد التحديات الكبيرة التي شهدتها، مثل إرهاب التنظيمات العابرة للحدود في كلٍّ من العراق وسوريا واليمن وليبيا.
وفي وقتٍ سابق، أكد الكاظمي في مناسبات عديدة موقف بلاده الرافض بأن يكون نقطة الانطلاق للاعتداء على محيطه، مؤكداً أنه لا عودة إلى الحروب العبثية التي عزلت العراق في أوقات سابقة عن أشقائه العرب، لكن التحدي لا يزال قائماً، في ظل السلاح المنفلت بأيدي الميليشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
الحضور الفرنسي وأسبابه؟
الحضور الفرنسي في بغداد له أسباب عديدة، أبرزها؛ التأكيد على بقاء قواتهم لحين القضاء على الإرهاب، حتى لو اكتمل الانسحاب الأمريكي من العراق كلياً، وأكَّد الرئيس ماكرون على «عدم التهاون» مع القوى الجهادية، والإبقاء على 600 جندي في إطار محاربة الإرهاب.
لكن، دعونا نعترف أنَّ لدى فرنسا تخوفاً من هلالٍ جهادي أو نصف الدائرة السفلي؛ الذي يبدأ من أفغانستان وينتهي في سوريا، عابراً إيران والعراق، الأمر الذي يؤدي إلى استغلاله من قبل حكومة طهران الراديكالية مستفيدةً من علاقتها بهذه القوى في مواجهة الغرب الاستعماري وفي رواية أخرى " الكافر".
ولكي تكمل فرنسا تطويقها القوى الإرهابية في دول الساحل الإفريقي الواقعة بالقرب من محيطها الإقليمي، لابدَّ أن يكون لها موطِئ قدم في منطقة الهلال الخصيب، كي لا تتصل القوى الراديكالية ببعضها، وبالتالي؛ يصعُب على التحالف الدولي إيقاف تمددها، وتصبح الفاتورة البشرية والمادية أكبر بكثير من بقاء قواتها في العراق وسوريا، بعد أن باركت قوى الإسلام السياسي عودة طالبان إلى كابول.
الأكثر وضوحاً، أنَّ بناء الثقة مع العراقيين يساهم إلى حدٍ ما بمعرفة النوايا الإيرانية، وهذا مالم تعمل عليه الولايات المتحدة في العراق وسوريا.
ومن هذا المبدأ، يمكن لفرنسا أن تلعب دوراً هاماً في تحفيز أقرانها الغربيين، لإعادة إعمار العراق والتعاون مع جيرانه في ذلك، مستفيدة من تعزيز موقعها الجيو إستراتيجي، كما أنَّ الأمرَ نفسَه ينطبق على سوريا في حال الانسحاب الأمريكي المرتقب من شمالها الشرقي.
ختاماً، حضور إيمانويل ماكرون قمة بغداد في ظل غياب حلفاء بلاده البريطانيين والأمريكيين، وزيارته مواقع دينية وتوجهه إلى كردستان العراق برفقة الناشطة الإيزيدية «نادية مراد»، إضافة إلى زيارته مدينة الموصل التي كان يتحصن فيها تنظيم داعش، ثمَّ الذهاب إلى موقع إعادة إعمار مسجد النوري السني، كذلك زيارته كنيسة سيدة الساعة في بغداد؛ في جميعها رسائل تحمل طابعاً سياسياً يشير إلى أنَّ فرنسا لن تبقى بعيدة عن التعاون والاستفادة من الفرص والقواسم المشتركة بين باريس ودول المنطقة.