الطريق
من المفارقات العجيبة في الانتخابات الرئاسية السورية أن يترشح 51 شخصاً لها، وهو عدد سنين حكم سلطة البعث الأسدية للسوريين بالحديد والنار واعتقال المعارضين ونشطاء الرأي.
والأكثر غرابة، أن تُقام انتخابات والسيادة الوطنية مخترقة من قبل جيوش خمس دول، والشعب السوري مشرَّد بين نزوح داخلي ولجوء في دول شتَّى، وإكمال الجريمة بقتل الجيش الأسدي ما لا يقل عن مليون شخص من مناهضي الحكم.
والذي يثير الدهشة في هذا المنحى، ترشح سبع سيدات لهذا المقام، علماً أنَّ الدستور في سوريا لا يسمح بوصول سيدة إلى سدة الرئاسة إلا في حال اختفاء ذكور آل الأسد من المشهد السياسي، وكتابة دستور جديد للبلاد يتضمن قانون انتخابات ينصف السيدات السوريات اللاتي تميزن في جميع الاختصاصات وخطفن الأضواء في مناسبات عدة محلية وإقليمية أو دولية.
ولعلَّ الأسئلة الأهم هنا، هل لدى مرشح النظام- المحكوم علينا أن يكون من عائلة الأسد- أي برنامج إصلاح سياسي واقتصادي أو اجتماعي؟ وهل يدخل ضمن أجنداته سحب الجيش إلى ثكناته ورفع الحصانة عن الأفرع الأمنية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي السياسيين؟ وهل سيسمح لمعارضيه بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، علماً أن المادة الدستورية 84 تنص في فقرتها الخامسة على أنَّ المرشح "يجب أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات، إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح" ونظام الأسد لم يترك أثراً لأيِّ معارض له في سوريا.
الانتخابات ليست مجرد صندوق فقط، بل هي استحقاق تجاه الشعب والدولة والسيادة الوطنية، وهذه العناصر الثلاثة أغفلها وفرَّط بها بشار الأسد دون مبالاة منه، بإدخاله جيوش عدة دول وميليشيات لقتل السوريين الذين يحتاج لأصواتهم كي يبقى على رأس السلطة.
يضاف إلى ذلك، أنَّ ردود الفعل الدولية ترفض هذه الانتخابات الرئاسية، لا سيما والبلاد تغرق في الفقر والجوع وانعدام كلّ مقومات
الحياة. وقد أكَّد المبعوث الدولي إلى سوريا "غير بيدرسون" أنَّ الانتخابات بصورتها هذه لا تمثل إصلاحات سياسية مرجوَّة، قائلاً: إنَّ الانتخابات الرئاسية التي أعلن عنها نظام الأسد في وقت سابق، ليست جزءاً من العملية السياسية، التي ينص عليها القرار 2254.
كما أنَّ الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية لن تعترف بالنتائج حتى وإن كانت الانتخابات في قمة الشفافية، ولكن هل تكفي هذه المواقف دون رادعٍ يعيد المسار السياسي إلى جنيف ويحييه بعد دفنه في سوتشي وأستانا بجهود روسية.
دعونا نعترف أنَّ حافظ الأسد لم يورث الحكم لابنه فقط، بل أورثه أيضا شخصنة قيادة الدولة، أي ربط سوريا بشخص الرئيس، وبالتالي ربط الاستقرار السياسي والتداعي المجتمعي ببقائه على رأس السلطة.
أمَّا بعد عسكرة الثورة السورية وأسلمتها مع بداية عام 2013 فقد أصبح وجود الأسد من وجهة النظر الدولية، ضماناً لعدم وصول الإسلاميين لسدة الحكم وضابطاً لإيقاع الميليشيات المسلحة في مناطق سيطرته، إذ يعتبرون وجوده سياجاً من الأسلاك الشائكة لحالة الانفلات المطلق بعد وصول سوريا حافة الهاوية المعيشية والمجتمعية. وتركوا الأوضاع الاقتصادية والتحركات السياسية عامل ضغط لجر النظام إلى طاولة المفاوضات التي حددتها القرارات الدولية ووثيقة جنيف عام 2012.