الطريق- درويش خليفة
شهدت مناطق مصياف والقدموس، الموالية للنظام السوري، مظاهرات احتجاج على الأوضاع المعيشية المتردية التي تتفاقم يوماً تلو الآخر. لكن سرعان ما تدخلت القوات الأمنية لقمعها واعتقلت الشبان المنتفضين بوجه البؤس الذي يواجهونه، دون تدخل من الحكومة التنفيذية التي منحها الأسد " ثقته " مرَّة أخرى لوضع برامج إنقاذ للاقتصاد السوري المتهالك، وإيجاد وسائل بديلة للحد من الفقر والتضخم غير المسبوق في البلاد، عدا عن تدهور قيمة العملة وعدم توفر الكثير من المواد الأساسية كالغاز والطحين والأدوية، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تصل إلى عشرين ساعة في اليوم. فيما تقف طوابير من السوريين عند الأفران ومحطات الوقود؛ للحصول على القليل وفق نظام البطاقة التموينية.
وفي وقت سابق، حذَّر برنامج الأغذية العالمي من استمرار مأساة السوريين، حيث يعاني 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي.
ومع تعنُّت الأسد في تنفيذ الحل السياسي المنصوص عليه في القرار الدولي 2254، الذي يعتبر خارطة الطريق الوحيدة المتفق عليها دولياً، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم وجود حلول لها؛ دخل معظم السوريين المصنفين من الطبقة الوسطى مرحلة الفقر المدقع، وصار الاعتماد على التحويلات الخارجية من ذويهم في دول جوار سوريا أو الخليج العربي وأوروبا.
رغم كلِّ الجراح والمعاناة التي تسبب بها بشار الأسد للسوريين، من تهجيره لنصفهم بين نازح محلي ولاجئ في دول الشتات، وقتل قرابة نصف مليون وأكثر، واعتقال وإخفاء نصف مليون آخرين، وتسبب جيشه بمئات الآلاف من حالات البتر والتشوهات الجسدية والنفسية، ألا أنه ماتزال لديه القدرة على مواصلة الإجرام والقتل والحصار، كما يفعل بهذه الأثناء في حي درعا البلد، حيث الحصار المفروض منذ أكثر من 50 يوماً، وقطع الإمدادات من الطعام والدواء وحليب الأطفال وقطع الكهرباء، ومنع المنظمات الإغاثية من أداء دورها الإنساني تجاه الـ 50 ألف شخص. نتيجة لذلك، اضطر نصفهم إلى الفرار بأرواحهم بعد القصف المستمر من الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الأسد الأصغر "ماهر".
وكانت منظمة اليونيسيف قد أصدرت بياناً أوضحت فيه عن مقتل وإصابة أكثر من 45 طفلاً في عموم سوريا منذ يوليو/ تموز الماضي، بعد عودة القصف على شمال غرب سوريا، وتأكيد الأسد ـ عقب خطاب القسم ـ على إعادة المناطق الخارجة عن سيطرته إلى حكمه، في تحدٍّ واضح للمجتمع الدولي الذي يدعو إلى الحل السياسي وخفض أصوات البنادق.
كل ما سبق خطوط عريضة؛ لأنَّ الخوض في التفاصيل يتطلب تقاريرَ تصل لمئات الصفحات، وخصوصاً إذا ما تناولنا أحوال السوريين في المخيمات بقطاع إدلب، وحالة العطش التي اجتاحت منطقة الجزيرة بعد انقطاع المياه لنحو أربعين يوماً، قبل الاتفاق بين الجانبين الروسي والتركي على إعادة الضخ في محطة مياه علوك.
أمَّا ما يتعرض له السوريون في بلدان اللجوء، فهذه قصة أخرى، أقل ما يمكن أن يقال عنها، استخدامهم كورقة ضغط وابتزاز سياسي، بشكل خاص في لبنان وتركيا وليس انتهاء بالدنمارك واليونان.
ها نحن نقترب من السنة الحادية عشرة، ولا توجد حلول تلوح في الأفق في سبيل انتشال السوريين من حالة البؤس الذي يعيشون فيه، واستعادة التماسك المجتمعي، وتحسين الوضع المعيشي والخدمي.
الدمار لحق بالمدارس والمستشفيات وشبكات المياه والصرف الصحي وقطاع الكهرباء، وتحوَّلت المعالم التاريخية والأسواق التي كانت مزدحمة في السابق إلى أنقاض وركام من الأحجار، بعد أن شهدت تاريخ سوريا الممتد حتى سبعة آلاف عام.
فلا مجد لقلعة حلب، ولا رائحة تفوح لياسمين دمشق.. ولا نكات الحماصنة وطرافتهم تعيد الابتسامة لوجوه السوريين في ظل الأوضاع الراهنة، ولم يأكل الحلبيون أكلتهم الشهيرة "لحمة بكرز" بسبب تعرض أريحا وجبل الأربعين في إدلب للقصف اليومي، ولم يعد بحر اللاذقية وطرطوس مكاناً آمناً للتصييف والسياحة؛ بسبب كثافة السفن الإيرانية والروسية. ولم يعمل أهالي الرقة والحسكة ودير الزور أضاحي العيد كما في السابق؛ بسبب الجفاف وعدم توفر المياه للبشر قبل أن يوفروها للمواشي. والسويداء "يا حبة عيني" ليست بخير والجوع يضرب بطون أبنائها، ومدرج بصرى الشام يبكي نساء وأطفال درعا البلد، وكلُّ حجرٍ فيه يعاتب المجتمع الدولي على خذلانه السوريين.