الطريق- درويش خليفة
حالة الاستقطاب الذي شهدته القضية السورية والاصطفافات الإقليمية والدولية، لا مثيل لها بين ثورات الربيع العربي؛ لذلك تأثرت المؤسسات التي نتجت عن الثورة السورية، ومنها الائتلاف السوري المعارض الذي حكمته جغرافية المقر بالوقوف خلف السياسات التركية التي اصطدمت بفترةٍ ما، بسياسة الترويكا العربية؛ الممثلة بالمملكة العربية السعودية و مصر والإمارات؛ بسبب مواقفهم من جماعة الإخوان المسلمين، ومساهمة هذه الدول في نزع الشرعية عن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
كان لا بدَّ من هذه المقدمة؛ لتوضيح حالة الاستقطاب وآثارها على القضية السورية وحالة الفرز السياسي الذي ولّدته، لاسيما في فترة وجود "أحمد الجربا" المدعوم سعودياً على رأس الائتلاف، بالإضافة إلى وجود مصطفى الصباغ بالأمانة العامة للائتلاف في الفترة ذاتها، وهو من الضفة المستظلة بالإسلام السياسي، المدعوم قطرياً.
أمَّا اليومـ بعد المصالحة الخليجية والتقارب (التركي، المصري) و(التركي، السعودي) ــ فقد بدأ الائتلاف السوري بالتفكير جديَّاً بالعودة إلى الحضن العربي، وهذا ما أقرَّه رئيسه الجديد السيد سالم المسلط، في المؤتمر الصحفي الأول له.
وبما أنَّ المسلط شخصية ذات بعد عشائري، يعتقد كثيرون أنَّ المملكة السعودية ستكون داعمة له، أو على الأقل ستفتح خزائنها للائتلاف، وهذا ما أستبعده؛ بسبب عدم أهمية هذا الكيان بالنسبة للمملكة، واكتفائها بدعم "هيئة التفاوض السورية" التي مقرها الرياض بعد تفويضها من قبل "المجموعة المصغرة حول سوريا" لهيكلة المعارضة، وتطبيق القرار الدولي 2254/2015.
اليوم، يجب أن ننتبه إلى أنَّ السعودية محاطة بمشاكل عديدة، وخصوصاً عند حدودها الجنوبية مع اليمن، وتخلي الأمريكيين عن المنطقة لصالح تمدد إيران ومشروعها التوسعي، وبالتالي وضعوا السعودية في مواجهة مباشرة مع نظام طهران.
أمَّا بالنسبة لقادة الإمارات، فلا يوجد ما يشير إلى أنهم بصدد مد يد العون لمؤسسة ذات صبغة إخوانية تتحكم ــ على الأقل ــ بقرار الائتلاف النهائي والذي يعود لها، وهذا أسبابه معروفة للجميع.
وكذلك الأمر بالنسبة للمصريين لن يُشغلوا دبلوماسييهم بالقضية السورية، وهم بحالة مواجهة سياسية مع أثيوبيا بسبب تعارض مصالحهم في مياه النيل.
تبقى قطر الدولة العربية الوحيدة المرشحة لتقديم الدعم الكامل للمعارضة السورية، ولكن شروط نجاحها؛ يحتم عليها الانفتاح على كل القوى والتوجهات السياسية لكسب ودهم، والإبقاء على دورها الأخير باحتواء القوى المتعارضة، كما فعلت عبر استضافتها المحادثات الأمريكية مع طالبان، مقدمةً نفسها كراعٍ للقوى الإسلامية الناعمة والخشنة بالوقت نفسه.
من الواضح أنَّ المعارضة الائتلافية حريصة على اختبار جديَّة الترويكا العربية في مدى تقبلهم لها، والعمل على قطع طريق مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" من التقرب إلى الدول المؤثرة عربياً وكسب ودهم عن طريق العشائر السورية التي تربطها بدول الخليج العربي صلاتٍ عميقة.
في الحقيقة، المعارضة السورية وبجميع تشكيلاتها بوضعٍ لا تحسد عليه؛ بسبب تخلي معظم الدول الغربية عن دعمها بإسقاط النظام، والتركيز فقط على الجانب الإنساني، ومعالجة تفاقمه مع الروس الذي يفاوضون عن النظام؛ وذلك تحقيقاً لمصالحهم وتحويل تقدمهم العسكري على الجغرافية السورية إلى استثمارات اقتصادية- سياسية.
ومن انعكاسات التدخل الروسي لحماية النظام، تعاطي الأوروبيين مع المسألة السورية من خلال المادة 41 من القانون الدولي لميثاق الأمم المتحدة، والتي تخول مجلس الأمن القيام بإجراءات ما دون عسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية وقطع العلاقات الدبلوماسية.
ختاماً: أمام الائتلاف مهمة ليست بتلك السهولة لإقناع العرب ولفت أنظارهم تجاه القضية السورية المتعثرة جراء التداخلات الإقليمية والدولية المتعددة، والقائمة على المصالح الآنية والمستقبلية.