الطريق- درويش خليفة
يُعتبر إضفاء الطابع الشخصي على العمل السياسي، وتراجع دور القوى السياسية وإضعاف المؤسسات، أحد الأسباب الرئيسية لتقويض الديمقراطيات.
ومن الأمور التي تؤدي إلى عدم الاستقرار المؤسساتي؛ شخصنة السلطة. ومع ذلك، فقد تعودت الشعوب على اختزال الأحزاب الأيديولوجية في شخصٍ واحد، ولكم مثال واضح وصريح في تجربة دول الشرق الأوسط.
تكشف التحليلات أيضاً عن العلاقات الشخصية بين النخب السياسية، حيث تترجم دائماً إلى تشتت وخلاف أو تركيز على السلطة، في حين أن الروابط الوطنية والمصلحية تشكل التفاعل بين المواطنين والسياسيين.
في العديد من هذه الحالات، يتم تأسيس الأحزاب والحفاظ عليها بشكل أساسي من قبل السياسيين الأفراد؛ كأحد الأدوات التي تقودهم إلى تحقيق طموحاتهم السياسية.
وتأتي مثل هذه السياقات، في حجب دور الحزب والمنظمات السياسية مدعومة بحقيقة أن المنافسة هي أساساً مدفوعة بالشخصية وطبيعتها الشغوفة بالوقوف في الصفوف الأمامية، وتصدُّر المشهد العام.
ولكن، كل ما سبق لا يُترجم في حالة الثورات الشعبية، وفي علاقة السياسي الذي تنطّع لصياغة مشروع الثورة التحرري بالثوار ورفاق النضال الذين كانوا بتضحياتهم سبباً في وصوله إلى غايته.
تأثُّر هيئات المعارضة السورية بالشخصنة
يتجلى التشرذم السياسي نتيجة الصراعات الشخصية والتنافس بين القوى السياسية الذي يُعد أكثر وضوحاً في أجسام المعارضة السورية، بجميع مراحلها الزمنية وتحالفاتها المصلحية النفعية.
في حين كانت خلافات قوى المعارضة سبباً بتصدع الجسر الرابط بين الثورة والسياسيين بسبب الانقسامات الأيديولوجية، والتي يُعاد اصطفافها في بعض الأحيان بضغطٍ من الداعمين.
وبالنظر إلى الحالة السورية، هناك أيضاً أمثلة لا حصر لها من المواقف التي تؤدي إلى تركيز السلطة في أيدي شخصيات، يرون أنه لا مثيل لهم بالعمل السياسي، وأنَّ القالب الذي أنتجها لا يُستخدم لأكثر من مرة.
وعلى الرغم من فشل قيادة المعارضة السياسية في معظم أعمالها، إلا أنَّ الكثير منهم لا يزالون في المقدمة، يمارسون دوراً تخريبياً، وذلك منذ تكوين المجلس الوطني، مروراً بالائتلاف والهيئات التفاوضية، وصولاً إلى اللجنة الدستورية.
يعزو البعض فشل المعارضة السورية إلى التداخلات الإقليمية والدولية، وعدم رغبة الدول العظمى بإسقاط نظام الأسد القابض على السلطة بدمشق حتى آخر نفسٍ فيه. ولكن بالمقابل لم تقدم قوى المعارضة ـ ولاسيما الرسمية منها ـ نموذجاً ملموساً يحاججون به جمهور الثورة والموالاة معاً.
فإذا لم يكونوا مؤهلين للنقاش العام والديمقراطية التداولية، بسبب ممارستهم العمل السياسي خارج حدود بلدهم، فعلى الأقل؛ يقومون بتوقيع ورقة محددات وضوابط سلوكية يلتزمون بها، تبدأ في عدم التشهير وإبراز القوة العضلية بصفعهم لبعضهم البعض أو التلفظ بالشتائم أمام عامة الناس، وخصوصاً إذا كانت المناسبة تحمل طابعاً مجتمعياً كواجب العزاء بوفاة شخصٍ قدَّم الغالي والنفيس من أجل نصرة الثورة ومشروعها التحرري.
تسعى كلُّ أطياف المعارضة إلى أن تكون البديل الفعلي عن السلطة الجائرة في دمشق، دون أن يعملوا على بلورة برنامج سياسي يتوافق مع طموح الشعب السوري المتعطش لحريته وكرامته التي سُلبت منه بفعل حكم الأسدين لسوريا وهيمنة الحزب الواحد، مع إعطاء الجيش والأفرع الأمنية صبغة طائفية هدفها النيل من كرامة المواطن ليل نهار.
هناك سوء فهم للواقع من قبل أولئك الذين تصدروا المشهد السياسي لانتفاضة الشعب السوري، تستوجب الوقوف عندها مراراً وتكراراً؛ لأنَّها تُعبر عن مصالح نخبوية بعيدة عن مصالح الطبقات المجتمعية التي حركتها عوامل عدة؛ معيشية-سياسية، مع الحفاظ على المطلب الحق وهو التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.
إذاً؛ كان جديراً بالمعارضة: مخاطبة الشعب السوري والعمل على قرار مشترك، قبل التوجه إلى الحلفاء والحفاظ على مصالحهم في حال رحيل الأسد، الذي لم تؤكد إزاحته الاتفاقات والقرارات المتعلقة بالقضية السورية حتى الآن.