الطريق- درويش خليفة
"في السجن الصحراوي، سيتساوى لديك الموت والحياة، وفي لحظات يصبح الموت أمنية"
مصطفى خليفة، القوقعة: يوميات متلصص.
يوم سُرِّبت عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب والاعتقال في سوريا ـ من قبل المصور العامل لدى النظام السوري في السابق والذي تم إعطاؤه اسم "قيصر" لاحقاً ـ وهم مكبَّلون وعلى أجسادهم النحيلة آثار التعذيب والتشويه، كان على المرء أن يدقق في كلِّ صورة حتى يتأكد مَنْ هم الذين في الصور، في رحلة البحث عن الابن أو الأخ أو أحد الأقارب.
حينها، توقعتُ ـ في أقل تقديرـ أن يجتمع مجلس الأمن في اليوم التالي، ليقول كلمته للعالم "إنَّنا مازلنا هنا تحت هذه القبة؛ لحماية الشعوب وصون كرامتها والحفاظ على حقوقها في العيش الكريم والحياة الآمنة". ولكنَّ شيئاً لم يحدث من هذا القبيل، سوى بعض التقارير الإعلامية لذَرّ الرماد في العيون!
ملف الاعتقال وإخفاء مناهضي الحكم ليس جديداً على السوريين، فمنذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970 وهو يضع معارضيه أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ الرحيل عن وطنهم، أو الاعتقال، والخيار الأخير هو الأكثر ترجيحاً بالنسبة له لإيصال فكرة لعموم السوريين، مفادها؛ من يفكر لمجرد التفكير في معارضته، فسيكون مصيره الإخفاء والاعتقال وتنكيد معيشة ذويه، حتى وإن كانت تجمعهم قرابة من الدرجة الثانية والثالثة.
حادثة اعتقال رفاق الأسد الأب الأوائل، تشهد على تاريخ هذه العائلة التي شخصنت السلطة لصالح "الرئيس الإله"، فاعتقال رفيقه صلاح جديد وكذلك الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي تجاوزت العشرين عاماً. وكما يقول السوريون "الداخل مفقود والخارج مولود" في إشارة للمعتقلين بسجون حكم الأسدين حافظ - بشار.
خلال سنوات الثورة، اعتقل النظام مئات آلاف الشابات والشبان، من ممثلي الحراك السلمي، ومن كثرة الأعداد لم يبقَ مكانٌ في الزنازين لوافدٍ جديد، فكان يتم الإبقاء على القادمين الجدد في "الكريدور" وخصوصاً من كانوا مصابين في المظاهرات.
تعود بي الذاكرة، وأنا أكتب، إلى الأشهر الأولى من الثورة السورية عندما أوصلوني إلى أحد الأفرع الأمنية مصاباً برأسي؛ بسبب ضربهم لي بعد مظاهرة هتفت فيها للمرة الأولى لإسقاط النظام في حلب، حيث وضعوني في ممر طويل يصل بين الزنازين، تتم أحياناً فيه حفلات التعذيب كي يسمع كلُّ من في الغرف (الزنازين) والمنفردات، عذابات رفقائهم في النضال.
وكما يقول مصطفى خليفة في روايته القوقعة، "أن تتعذب أنت أهون من أن تسمع صوت الصراخ الإنساني ليلاً ونهاراً".
أكثر ما يؤلم في قضية المعتقلين السوريين، هو تسييس الملف وتدويله عبر تضمينه في بيانات القوى السياسية، وبالتالي إفقاده أحقيته الحقوقية والإنسانية. بينما ذهبت القوى المسلحة، لتبادل معتقلي الرأي بأسرى الحرب، وهذا يمنح النظام صك براءة بإعفائه من مسؤوليته وملاحقة ضباط أمنه قضائياً.
في الحقيقة، تعقيد المشهد السوري وتداخله مع قضايا عديدة، مثل التهجير وتدمير البنى التحتية والمنشآت الطبية والمدارس أدَّى بملف المعتقلين لأن يكون من ضمن ملفاتٍ عدة، بالرغم من أولويته، إلا أنه الأكثر تعقيداً بسبب إخفاء النظام معلومات المعتقلين وعدم وصول المنظمات الحقوقية والوكالات الإعلامية لتوثيق الانتهاكات والمطالبة بالإفراج عنهم.
وكما يقوم النظام بنقل المعتقلين من فرع أمن إلى آخر، للتلذذ بعذاباتهم، كذلك قامت المعارضة بنقل ملف المعتقلين من مسارٍ إلى آخر، بدءاً من جنيف ومروراً بأستانة وليس انتهاءً بأعمال اللجنة الدستورية، دون تحريكٍ للملف وإخراج المعتقلات والمعتقلين.
فهل انعدمت الوسائل والأدوات، أم أنَّ بنية النظام وقساوته على مناهضيه، أدَّت لهذه النتائج؟