الطريق - درويش خليفة
من سوء حظ السوريين، أن تتشابك قضيتهم مع معظم قضايا العالم، إذا جاز التعبير بذلك، وهذا أكثر ما يقلقهم؛ بعد الشعور بالخذلان الدولي وركن ملف قضيتهم على رفوف المنظمات والدول المعنية، إلى أن تتوفر الظروف المناسبة لحل المسألة السورية وإيلائها اهتماماً خاصاً.
ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قمة جنيف، محملاً بملفاتٍ عدة، يرهق بها نظيره الأمريكي جو بايدن، لينتزع منه اعترافاً بمكانة روسيا الجيوسياسية، والتي اكتسبتها من خلال التدخل ومنع سقوط النظام السوري وحماية بشار الأسد من الإطاحة به، كي لا تتكرر حادثة إزاحة وقتل حليف موسكو «معمر القذافي» في ليبيا، أكتوبر/ تشرين الأول 2011 في معركة سرت.
في المقابل، تدرك القيادة الروسية أنَّ توجيه الحل السياسي للصراع السوري يتطلب انخراطاً أمريكياً فعَّالاً في هذا الملف المعقد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
ومن هذا المبدأ، نجد أنَّ الأمريكيين يتبعون مع الروس في سوريا نهج "العصا والجزرة" لا سيما وأنَّ طموح موسكو في المنطقة لا يضر بالمصالح الأمريكية.
وضوحاً، إذا أرادت موسكو الحفاظ على مصالحها في سوريا، فعليها التضحية ببشار الأسد، وإلا فإنَّ الولايات المتحدة والأوروبيين ليسوا مهتمين بالعودة لفتح الملف السوري، سوى من بوابة الوضع الإنساني المتفاقم والمتزايد مع بقاء الأسد على كرسي الرئاسة،
ولا أعتقد أنَّ هذا يشكل حرجاً لإدارة بوتين أمام العالم، وهم من صاغوا القرار الدولي «2254».
أي أنَّه؛ إذا كانت ثمة صفقة في الأفق، فسوف تكون في تطبيق القرار الدولي آنف الذكر، مع الاحتفاظ بمكتسبات روسيا ببقاء نفوذها السياسي والعسكري.
قمة جنيف الأمريكية – الروسية
راقب السوريون مجريات المحادثات التي جرت في قصر "لاغرانج" التاريخي بكلِّ تفاصيلها، وباهتمام لكلِّ حركة وكلمة تصدر عن رئيسَيْ أمريكا وروسيا، علَّهما يهتمَّان بالقضية السورية وينتشلانها من حالة اللامبالاة الدولية، بعد مضي عشر سنوات عليها، دون تحريكٍ ملحوظ لملفات تخص وقف القتل والتهجير وإطلاق سراح المعتقلين وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري.
المؤسف أنه، بعد تلك السنوات العجاف من البطش والدمار، تمَّ ذكر سوريا من خلال الملف الإنساني عبر طلب تمديد القرار الدولي «2533» المتعلق بتدفق المساعدات عن طريق المعابر الحدودية، وكان هذا محور الحديث العابر عن الحالة السورية المستعصية بين زعماء دول بحجم أمريكا-روسيا.
لم تغير نتائج القمة توقعات السوريين، بل كانت مخيبة لهم على الصُعد كافة، بما فيها عدم تأكيد الروس على دخول قوافل المساعدات من الشمال السوري.
وهذا ما يدعونا للتفكير بصوت عالٍ وجرأة تحرج جميع الأطراف، أقلها توحيد ضفتي الفرات الغربية بالشرقية، والاستفادة من التقارب التركي-بالترويكا العربية (مصر، السعودية، الإمارات).
إذا كان الجميع يعترفون بأن لا جدوى ولا مصلحة من استمرار الاختلاف العربي-التركي، فإنه على جميع الأطراف التقدم خطوة باتجاه الآخر، والاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية التي تزخر بها مناطقهما، بالإضافة إلى ميزة الحدود البرية مع تركيا وتوفير ميناء لتصدير الفائض من القمح والنفط والمزروعات الموسمية، والسماح بدخول شركات إعادة إعمار أجنبية، حينها سيكون صوت موسكو خافتاً في هذا القطاع من سوريا وتضطر للقبول بأنصاف الحلول، وهو إجبار النظام على تنفيذ القرارات الدولية على أقل تقدير.
قد يعتبر البعض هذه القراءة قاصرة، ولكنَّني أعتبرها آخر الحلول في ظل الوضع الآني، وأول الحلول للبدء بالضغط على محور النظام وحلفائه.