الطريق - درويش خليفة
عشر سنواتٍ مرّت على الثورة السورية وصلت خلالها سوريا إلى مرحلة حرجة من الاستعصاء السياسي، ودرجةً من الجمود على الصعد كافة، أوجدتها الفيدراليات العسكرية الحاكمة بأمر الواقع، مُعتمدةً في ذلك على الدول المتداخلة على الجغرافيا السورية.
أمّا اللجنة الدستورية فأوقفت عملها بعد خمس جولات من المفاوضات، فشلت خلالها بتحريك العملية السياسية التي طالما عرقل النظام ووفده تقدُّمَها، على الرغم من الضغوطات الدولية المطالبة بالمضي قدماً بعمل هذه اللجنة، عساها أن تُحدث اختراقاً يُعيد الأمل لملايين السوريين القابعين في المخيمات، والمهجَّرين بعيداً عن بيوتهم وقراهم التي دمّر النظام كل مقومات الحياة فيها، من أجل إرضاء غروره وحلفائه بإعادتها إلى سيطرته، وهو ما يُكسبهم أوراقَ قوةٍ تفاوضيّة تؤهلهم لفرض إرادتهم على الإقليم والأسرة الدولية.
وفي ظلِّ تلك الظروف؛ لا بدَّ من التنويه إلى أنّ الكثير من السوريين - لا سيما المتواجدين خارج حدود وطنهم، والتي لاتزال ظروفهم المعيشية تسعفهم في المحاولة والتحرك لإيجاد مخرج لحالة الاستعصاء السياسي - يُحاولون طرح مشاريع سياسية من شأنها،كما يعتقدون، أن تنفض الغبار عن الملف السوري المركون على رفوف الدول المؤثرة والمنظمات المعنية بالأوضاع الإنسانية والحقوقية، وحثِّها على النطق بدلاً من الصمت حينما تخفت أصوات البنادق.
وفي ضوء ما تقدّم، نشهد بين الحين والآخر مشاريع سياسية لا تختلف عن مثيلاتها، سوى في الصياغة والهيكلية والإبقاء على المحاصصة العرقية وتمثيل المرأة والشباب، كي يستطيع أصحابها تمرير مشاريعهم عبر بوابات السفارات والخارجيات، ولا سيما الغربية منها.
أكثر من ذلك؛ في بعض المشاريع تتكرر الأسماء ذاتها، فنجد لاعبِين محوريين في كلِّ مكان؛ بدءاً من الطروحات والأفكار التي تُحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة، وليس انتهاءً بالمشاريع التمثيلية للمكونات المحلية، كمؤتمرات العشائر التي أصبحت عرفاً موسمياً تجتمع مع كل حدث للتنديد حيناً، والتأييد في أحايين أخرى، حيث يتوزع شيوخ تلك العشائر ما بين القوى المسيطرة جغرافياً، ولكلِّ فيدرالية عسكرية، عشائرها ومؤتمرها وشيوخها وشعاراتها.
آخر تلك المؤتمرات، ذلك الذي عُقد في ريف حلب الشمالي تحت شعار " قوتنا في وحدتنا"، لرفض ما يسمَّى بالانتخابات الرئاسية السورية، وعلى الرغم من قوة بيانه الختامي؛ إلّا أنّ شِعار المؤتمر لا يعكس وحدة العشيرة من داخلها ولا حتى العشائر المجتمعة، فما بالنا بباقي المشاريع التي يتجمع أعضاؤها من أقصى اليسار حتى أقصى اليمين.
في الحقيقة، ومن وجهة نظري؛ سوريا بحاجة "مشروع إنقاذ وطني"، بعد التشظي المجتمعي والتشتت الجغرافي والتغيير الديمغرافي بفعل وجودِ جيوشٍ لدولٍ عدّة، يتوزعون على كلِّ أراضي سوريا وفي جميع الاتجاهات الجغرافية، وهذا المشروع حتى يلقى قبول جميع السوريين يجب أن يُراعي "أنسنة" أدواته وأساليب عمله، آخذاً الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعين الاعتبار، ويقوم بتحسين ظروف العيش لدى السوريين، قبل الخوض في السياسة والدستور وكل ملحقات المفاوضات التي يُتوقع منها أن توصل البلاد إلى بر الأمان والسلام.
مؤتمر العشائر الذي عُقد مؤخراً؛ وجّه شيوخه رسائل متنوعة، منها للمجتمع المحلي ركّزت فيه على تلاحم العشائر وقوى الثورة والمعارضة بأشكالها كافة، العسكرية والمدنية والسياسية، ومنها ما هو للخارج للتأكيد على التزامهم بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن 2254-2118.
وحثَّ شيوخ العشائر المجتمع الدولي على وقف المشروع الإيراني الذي يشكل خطراً على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، مُطالبين بعدم المساس بالتركيبة السكانية الأصيلة للمجتمع السوري، وإدانة ممارسات حزب العمال الكردستاني (PKK) في المنطقة الشرقية من سوريا.
ولكنني مازلتُ أؤكِّد بأنّ المشاريع التنموية ذات الأبعاد الإنسانية والمجتمعية لا تقلُّ أهميّةً عن المشاريع السياسية التي تُساهم في إيجاد الاستقرار والتحول الديمقراطي، وبالتالي تتحقق مقولة: "السياسة إدارة شؤون الناس".