الطريق- درويش خليفة
بعد فشل الائتلاف المعارض في أن يكون منصة جامعة لكلِّ أطياف المعارضة السورية، يمينها ويسارها وما بينهما، وارتهانه لأجندات ما دون وطنية، وقبوله مع هيئات المعارضة الرسمية بالواقعية السياسية من منظور الوصاية الإقليمية، بدأنا نشهد مؤخراً حراكاً سياسياً وتنظيمياً على شكل مؤتمرات، لشخصيات معارضة خارج أجسام الهيئات المعنية بالتفاوض وإنشاء الدستور.
وفي أواخر أغسطس/ آب الماضي، عقدت مجموعة معارضة مؤتمراً في جنيف تحت اسم " المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار"، ويكفي ما يشير إليه العنوان للدلالة على تبعية هيئات المعارضة الرسمية.
وقبل أكثر من أسبوع، استضافت العاصمة السويدية "مؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية" بحضور أشخاص من أطياف المعارضة السورية، من بينهم "إلهام أحمد" القيادية الكردية في "الإدارة الذاتية".
ناهيك عن ذلك، أنَّه لا يمرّ شهر دون عقد لقاءات وورشات عمل فيزيائية، وأخرى؛ افتراضية على منصات التواصل، مثل الزووم والكلوب هاوس، وغرف الواتس آب.
كل ما سبق أحسبه محموداً، إذ يكفي السوريين تشتت معارضتهم، والفردانيّة في العمل، التي لا تأتي بالنفع العام.
لكن الأكثر تداولاً بين أوساط المعارضين والنشطاء السوريين، هو المؤتمر المزمع عقده في الدوحة بنهاية الشهر القادم، وبدعوة وتنظيم من مراكز بحثية سورية، والرئيس السابق لهيئة التفاوض الدكتور رياض حجاب.
ويأتي التركيز على هذا المؤتمر وأهميته، بعد لقاء جمع السيد حجاب مع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، في الدوحة، خلال زيارة الأخير إلى قطر بداية الشهر الجاري.
واستكمالاً للمعلومات، ووفقاً لمطلعين على الأمر، سيتم تنظيم "مؤتمر الدوحة" من قبل عدد من مراكز الأبحاث السورية التي مقرها تركيا، مثل "حرمون للدراسات"، و"عمران للدراسات المعاصرة"، و"جسور للدراسات"، بالإضافة إلى شخصيات سياسية معارضة.
وستقوم اللجنة التحضيرية المكونة من المراكز آنفة الذكر بالتحضير للجلسات الـ 8 وإعداد الأوراق اللازمة، إلى جانب أوراق الشخصيات الأكاديمية المدعوة إلى المؤتمر.
انكبَّ المحللون والمعلقون، على استنباط ما يمكن أن يخرج عن هذا المؤتمر، بعد لقاء السيدين حجاب-جاويش أوغلو، وإذا ما كانت الأمور ستتجه نحو تشكيلٍ سياسي جديد، علّه ينفض الغبار عن الملف السوري المركون على رفوف المنظومة الدولية، ويحرك المياه الراكدة، ويعيد للقضية السورية زخمها الإقليمي والدولي، بعد أن تشابك الملف السوري مع ملفاتٍ عديدة في المنطقة؛ في مقدمتها الملف النووي الإيراني، وتعاظم الدور الروسي، الذي ترى موسكو من خلاله، أنَّ سوريا نقطة انطلاقة مهمة لسياساتها نحو دول المنطقة، بما في ذلك دول الخليج العربي، وتركيا وإيران، وصولاً إلى ليبيا والإطلالة على لبنان، الأمر الذي دعا المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون" إلى التحايل على القرار الدولي 2254 وانتهاج سياسة «خطوة بخطوة»، في تماهٍ واضح مع الاستراتيجية الروسية التي نتجت عن قمة بوتين-بايدن في جنيف السويسرية منتصف العام الجاري.
وعلى ما يبدو، إنَّ بيدرسون ينوي من خلال سياسته الجديدة «خطوة بخطوة»، الانقلاب على "اللجنة الدستورية"، أو التعامل معها كمسارٍ موازٍ لخطته، التي تشبه في محتواها مقترح العاهل الأردني للرئيس الأمريكي جو بايدن، تحت مسمى "اللاورقة"، على أن يعمل النظام على تغيير في سلوكه، من أجل تحقيق الظروف التي تؤدي إلى انفتاح الدول المتشددة تجاهه.
ووفقاً للواقع السوري المُعقد شكلاً ومضموناً، فإنَّ السوريين اليوم مطالبون، وقبل أي وقت مضى، بالتكاتف للعودة إلى ربوع قضيتهم والتأثير فيها، علّهم يوقفون النزيف المتواصل منذ أن فتح النظام نيرانه بوجه مناهضيه، آخذين بالاعتبار ما تمرّ به المنطقة من متغيرات على الصعد كافة؛ الأمنيّة والاقتصادية والجيوسياسية.
لكن قراءات أخرى، تتحدث عن تسليم تركيا الملف السوري إلى قطر، لتزيح عن كاهلها هذا العبء، الذي بات عديم الجدوى لحكومتها، وهي مقبلة بعد نيف وعام على انتخابات رئاسية، عادةً ما تستبقها المعارضة بإلقاء اللوم على الحزب الحاكم، بعد استقباله أربعة ملايين سوري، وتزيد عليها في هذه الجولة، العوامل الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وحرصاً على وحدة الصف السوري المعارض، يقع على عاتق القوى السياسية والفصائل المسلحة، الخروج من معسكر الاستقواء بالخارج، والتركيز على صياغة مشروع إنقاذ وطني، من شأنه أن يقدم نموذجاً يلفت انتباه الأسرة الدولية، وينبذ الخلافات الإيديولوجية سواء القومية أو الفكرية.
الخلافات التي أحاطت بالمعارضة ومن جهات عديدة، اتخذت مواقف معادية للحراك الديمقراطي وأهدافه، وقدمت للأسد، براءة من ممارساته، ومنحت النظام الأسدي خشبة خلاص ساهمت في إنقاذه من الغرق، جسدها نهج التمذهب المؤدلج، التي أقنعت العالم بأنَّ إرهابه العابر للحدود، حل مكان الخيار الديمقراطي كبديل لنظام الاستبداد في سوريا.
اليوم، تلوح فرص مناسبة لاستعادة العمل الديمقراطي، وتتجلى في طيف واسع من السوريين بالداخل والخارج في محاولة من الشباب لاسترداد دورهم المحوري، وقيادة الحراك من جديد، ولا سيما أولئك الذين يقيمون في أوروبا، نظراً إلى الإمكانات المتوفرة، والمتسع من الحريات التي تمكنهم من جعل الساحة السياسية خياراً واقعياً، والاستفادة من التجارب التي عاشوها طيلة سنوات لجوئهم هناك، والزج في خبرتهم دون إبطاء في خدمة شعبهم ووطنهم.