الطريق- درويش خليفة
مرة أخرى، يراوغ المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون السوريين بتصريحاتٍ غير مقنعة حول تأجيل زيارته إلى دمشق، والتي كانت مقررة يوم الثلاثاء 30 تشرين الثاني، مرجعاً ذلك إلى تفشي المتحور الجديد من فيروس كورونا "أوميكرون".
وعلى خلاف ذلك، فقد سبق قرار المبعوث الأممي، قيامه بجولة مكوكية لعدد من العواصم العربية مثل عمان وأبو ظبي والرياض، قبل أن يجري مباحثات هاتفية مع كبير مستشاري وزير الخارجية للشؤون السياسية الإيرانية، علي أصغر خاجي، بشأن التطورات في سوريا، للطلب من الدبلوماسية الإيرانية الضغط على النظام السوري للمضيّ في عمل اللجنة الدستورية بجدّية أكبر.
على ما يبدو، جاءت النصيحة للسيد بيدرسون لإجراء المشاورات مع إيران من موسكو، بعد محادثاته مع الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، تم خلالها التطرق لتفعيل اللجنة الدستورية، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية.
يُلاحظ من خلال القراءة الأولية، أنَّ بيدرسون استشف من زياراته أنه لا توجد ظروف إقليمية لاستكمال عمل اللجنة الدستورية؛ بسبب تعطيل النظام للجولات الست الماضية، في ظل تراخٍ شديد من قبل داعميه وعدم وجود ضغط على النظام في دمشق، وإظهار لامبالاة حيال هذا المسار غير المجدي حتى اللحظة.
لذلك نجد أنَّ الروس غير قادرين على فرض رؤيتهم على الإيرانيين بالحالة السورية، بسبب تمسك النظام في طهران ببشار الأسد وفق الوضع الحالي، دون انتقاصٍ من دوره أو تقديم أي تنازلات قد تؤدي إلى اختلال في بنية المنظومة الأمنية والعسكرية السورية.
وعليه، تم إرجاء زيارة بيدرسون إلى دمشق لحين إعادة ترتيب أوراقه المبعثرة، والتركيز على موقف أكثر تشدداً من قبل الفاعلين الرئيسيين في الملف السوري؛ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية بالتشاور مع تركيا وإيران.
وحريٌّ بنا التطرق في هذا السياق إلى قرار الخزانة الأمريكية الأخير بتعديلها العقوبات على النظام، وتوسيع التفويض للمنظمات غير الحكومية بالمشاركة في المعاملات والأنشطة غير الهادفة للربح، والتعامل مع بعض القطاعات الحكومية في سوريا. وهو ما قد يفهمه النظام وحلفاؤه على أنه تنازل أمريكي يبنون عليه سياسات أكثر تعنتاً، ظناً منهم إحداث تغيُر في موقف إدارة بايدن، وهذا ما استبعده بالوقت الحالي؛ باستثناء إيلاء بعض الاهتمام بالملف الإنساني والتعاطي معه كورقة تفاوضية مع الروس، نتجت عنها في وقتٍ سابق استراتيجية مشتركة بين الرئيسين الروسي والأمريكي إزاء سوريا، بعنوان "خطوة بخطوة"؛ ليتم تتويجها لاحقاً بإصدار قرار مجلس الأمن رقم 2585 لعام 2021، القاضي بتمديد "تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا".
وعلى الرغم من انعكاس التفاهمات الروسية الأمريكية على الواقع الميداني في سوريا لصالح النظام، إلا أنها لا تزال تثير الريبة عند الأسد وداعميه الإيرانيين، لذا نجدهم يضعون العصيّ في العجلات، كي لا ينفرد الروس في هندسة الحل وفق مقاربتهم، وتجاهل المصالح الإيرانية المرتبطة ببقاء الأسد على رأس السلطة، وهذا ما أكَّده السفير الإيراني في دمشق، مهدي سبحاني، عندما تطرق إلى صلة بلاده ونظام الأسد، بقوله: إنَّ: "العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا تشمل كافة المجالات، بما فيها التعاون العسكري الذي يمثل دعمًا لسوريا، ويعكس تعزيزًا للعلاقات بين البلدين بشكلٍ عام ".
وتفسيراً لذلك، نجد أن مهمة بيدرسون دائماً ما تصطدم بالعناد الإيراني الذي تعكسه تصريحات رأس النظام ووزير خارجيته، لا سيما عندما تكون المباحثات في ذروتها بين إيران والدول الخمسة زائد واحد حول ملفها النووي.
في الواقع، إنَّ ارتباط الملف السوري بالعديد من ملفات المنطقة أثّر على تقدمه، بل ووصل به في كثير من الأحيان إلى طريق مسدود، مما دفع بالمبعوث الدولي السابق "ستيفان ديمستورا" لتقسيم القرار الدولي 2254 إلى أربع سلال، جاء الدستور في السلة الثانية، على أن يتم إنجازه في إطار جدول زمني لا يتجاوز الستة أشهر، وهي السلة التي يعمل عليها بيدرسن بشكل منفرد، دون تحقيق أي نتائج تذكر.
وكل ما سبق يعني أن القضية السورية الحل فيها مؤجل إلى أن يُنجز تفاهم روسي أمريكي بالدرجة الأولى، إضافة إلى تقديم جائزة ترضية لكل من إيران وتركيا، في ظل تغييب المعارضة والنظام عن المشاركة الفعالة في إيجاد حلول لقضية بلدهم.