الطريق- درويش خليفة
لابدَّ من الاعتراف بأنَّ بناء علاقات اقتصادية مع دول الخليج، يُعد إضافة مهمة لأي بلدٍ آخر، وهو الأمر الذي أيقنته الحكومات المتعاقبة في تركيا مبكراً، منذ أن كان الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان رئيساً للوزراء في آذار/ مارس 2003، حتى وصوله لرئاسة الجمهورية التركية في عام 2014، بعد أن تولى منصبه وهو في خلاف مع الترويكا العربية "مصر-السعودية-الإمارات"، حتى بدأت الأمور تعود إلى نصابها ببطءٍ شديد قبل عام من الآن.
زيارة ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة فتحت صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الإمارتية التركية بعد "القطيعة" التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والتي امتدت نحو عقد من الزمن، ما أدى إلى ما يُشبه حرباً باردة بين الطرفين، بداعِي وقوف كل منهما على ضفتي نقيض من ثورات الربيع العربي، لا سيما بعد تصدُّر جماعة الإخوان المسلمين الواجهة السياسية في معظم بلدان ربيع العرب، وهو ما رفضته حكومة أبو ظبي، بل وعمِلت ما بوسعها لوقف تمددها بكلِّ ما أوتيت من وسائل، وذلك من خلال دعمها العسكر لحكم تلك البلدان أو عبر الضغط الاقتصادي على الدول التي احتضنت الإخوان، مثل تركيا وقطر.
وتأتي زيارة بن زايد تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد شهرين من زيارة الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات، مما يشير إلى أهمية إعادة العلاقات بين البلدين على عدة مستويات، بما في ذلك الأمن القومي لكليهما.
وعليه، يمكن أنّ تؤسس هذه الزيارة فرصة لكسر الجليد وذوبان الخلافات وبوابة لحل معظم القضايا العالقة بينهما، كما نوه إلى ذلك الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في تصريح صحفي مشيراً إلى أنَّ: " أكثر من 70 في المئة من الملفات المعقدة في طريقها إلى الحل، سواء ملف تنظيم الإخوان المسلمين، أو الملف الليبي الذي تم التوافق بشأنه، وتراجع تركيا عن تحريضها ضد مصر، باستثناء الملف السوري الذي لا يزال عائقاً في محادثات البلدين".
منذ بداية العام الجاري، كانت لدى البلدين نيّة لتغيير سياساتهما الخارجية، فتراجعت الإمارات عن تدخلها في الصراعات الإقليمية، وكذلك بدأت تركيا بالعودة إلى سياسة صفر مشاكل التي أسسها مهندس السياسة الخارجية السابق ورئيس حزب المستقبل المعارض حالياً "أحمد داوود أوغلو" عندما كان وزيراً للخارجية في الحكومة الستين لبلاده.
ويمكن القول، إن تجاوز الخلاف الخليجي والمصالحة القطرية مع أشقائها العرب في قمة العلا بالمملكة السعودية مطلع العام الحالي، أسَّس لانفتاح بين تركيا والترويكا العربية، وأعقب ذلك بعد فترة وجيزة زيارة لوفد تركي إلى مصر، برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، كخطوة لتخطِي الخلاف الذي نشأ بين البلدين عام 2013، بعد أن وصفت أنقرة الإطاحة بالإخوان المسلمين -حينئذ- في مصر بالانقلاب.
أين يكمن خلاف البلدين حول سوريا؟
المسافة الضئيلة المتبقية بين الإمارات وتركيا لبناء علاقات كاملة هي القضية السورية، ودعم حكومة أنقرة للمعارضة السورية المقيمة على أراضيها، وكذلك دعمها لـ "الجيش الوطني" حليف الأتراك لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
إلا أنَّ زيارة بن زايد آل نهيان، قد تكون سبباً لفتح قنوات مباشرة بين النظام السوري والحكومة التركية عبر زيارات على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين، تماماً كما حدث عند بدء الانفتاح بين الإمارات وتركيا على بعضهما البعض.
ليس مستغرباً أن يحصل التقارب، فمنذ أيام كان وزير الخارجية الإماراتي بدمشق، وهذه زيارة لولي العهد إلى تركيا حليفة المعارضة، وبلا أدنى شك "حكومة بوتين" حلفاء بشار الأسد على إطلاع بكل هذه التحركات، والأرجح هم الذين يخططون لها في ظل رغبة إقليمية عارمة و"غض نظر" أمريكي عن كل هذه الخطوات، بل ذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك، بتعديل قواعد العقوبات المفروضة على سوريا في خطوة لتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية. حيث قالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة، أندريا جاكي، في بيان: "إنَّ الحكومة الأمريكية تعطي الأولوية لزيادة وصول المساعدات الإنسانية إلى أنحاء سوريا من أجل تخفيف معاناة الشعب السوري الذي ما زال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي وجائحة كوفيد-19". لكن هذه الخطوة توحي برفع تدريجي للعقوبات، وبالتالي؛ تصبح محاسبة نظام الأسد على جرائمه طيلة عشر سنوات تحصيل حاصل.
إلا أنَّ المستجد الذي بدأنا نشهده مؤخراً، هو دخول البضائع الإيرانية إلى الشمال السوري "المحرر" في خطوة مستغربة من قبل حكومة أنقرة التي تشارك مع المعارضة في إدارة هذه المناطق، بعد أن ساهم الأسد وحلفاؤه الإيرانيون بمعاناة سكانها وتهجيرهم من بيوتهم ومناطقهم.
ومن هذا المنطلق، يبقى التساؤل المطروح هذه الأيام: ماذا ينتظر الإقليم في ظل كل تلك التحركات في هذه المنطقة؟.