الطريق- درويش خليفة
ساهمت زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق، ولقاؤه رأسَ النظام السوري بشار الأسد،
في إثارة موجة من الغضب العارم بين صفوف جمهور الثورة السورية، إذ طالب الشارع السوري المناهض لحكم الأسد الكيانات السياسية المعارضة بإصدار موقفٍ حازم، وتوضيح ذلك في بيان يرفض الزيارة؛ حيث لا تزال أسباب قطيعة الدول العربية ومنها الإمارات العربية المتحدة للنظام في دمشق قائمة، فلم يفرج النظام عن المعتقلين ولم ينفذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، ولا هو أوقف قصف المدن والمناطق التي ثارت عليه منذ منتصف آذار/ مارس 2011.
وطالب بيان الائتلاف السوري المعارض دولة الإمارات العربية المتحدة بمراجعة موقفها من نظام الأسد، متمنياً عودة الإماراتيين إلى الموقف العربي الموحَّد، وألا يكونوا طريقاً أو طرفاً في أي محاولة من شأنها تعويم نظام إجرامي قتل مئات الآلاف من السوريين قصفاً وتعذيباً في معتقلاته وهجّر نصف الشعب السوري.
من الواضح أنّ هناك تخوفاً لدى المعارضة من إعادة النظام إلى الجامعة العربية، علماً أنَّ مجلس الجامعة قرر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، تعليق عضوية وفود الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة، وتوفير الحماية للمدنيين السوريين.
وعلى أثر ذاك القرار، توالت القرارات العقابية العربية بحق النظام، وذلك كلما اشتدَّ إجرام الأخير بحق الشعب السوري المنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، حيث ينص أحد تلك القرارات، الذي جاء في منتصف عام 2012 على توجيه نداءٍ صريح يدعو فيه الأسد للتنحي عن السلطة، والمطالبة بعقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار توصيات إجرائية لمواجهة تدهور الأوضاع في سوريا، بما في ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض عزلة على النظام السوري.
وهذا ما دفع جامعة الدول العربية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 إلى مطالبة المنظمات الإقليمية والدولية الاعترافَ بالائتلاف السوري المعارض، ممثلاً شرعياً لتطلعات الشعب السوري.
ولم يقف الأمر عند تلك المطالبات والدعوات من قبل مجلس الجامعة العربية، بل قاموا في القمة العربية بالعاصمة القطرية الدوحة بمنح الائتلاف السوري المعارض مقعدَ سوريا ضمن الجامعة العربية. وبالفعل؛ قام رئيس الائتلاف معاذ الخطيب المستقيل وقتئذ قبل يومين من انعقاد القمة العربية بإلقاء كلمة باسم الشعب السوري؛ مؤكداً في الدقيقة 6.35 من خطابه " أنَّ المعارضة لن تبيع وطنها"، وشكر الخطيب في ذلك الوقت دولة الإمارات من جملة الدول التي شكرها في ذاك الاجتماع الذي حضره معظم زعماء الدول العربية.
تشير حقيقة الواقع إلى أنّ المعارضة السياسية الرسمية، لم تكن على قدر التضحيات التي قدمها الشعب السوري، إذ نجد الصراعات البينية والتسابق لملء مناصب "كرتونية" هاجسهم من حينٍ لآخر، هذا عدا عن ارتهان معظمهم لدولٍ إقليمية والاستقواء بدول أخرى في سبيل تحقيق مكاسب لا تُسمن ولا تغني من جوع في بطون السوريين القابعين في المخيمات، سواء بدول الجوار أو في الداخل السوري الخارج عن سلطة الأسد.
وبالعودة لبيان الائتلاف حول زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، فقد تضمن في بداية فقراته أنه " لطالما كان السوريون على ثقة بأشقائهم العرب تجاه الالتزام بقرارات جامعة الدول العربية ومواقف الشعوب العربية ومقتضيات القانون الدولي والقرارات الدولية في ما يتعلق بالحل في سورية والعلاقة مع النظام المجرم".
وهنا، يجدر التساؤل؛ أليس حريَّاً بكم (المعارضة الائتلافية) العمل على كسب ثقة السوريين والأشقاء العرب قبل أن تذكِّروهم بثقة الشعب السوري بهم، وهل قمتم بإجراء دراسة أو استطلاع للرأي لمعرفة ماهية الأسباب التي أدَّت لإعادة بعض الدول العربية علاقاتها مع النظام وتجاهلكم؟ وهل تفرقكم وارتهانكم سببٌ في ذلك.. ؟
إنَّ العمل السياسي ليس لقاءاتٍ واتصالات مع الحكومات والسفارات الدبلوماسية فحسب، بل إنَّ جزءاً أصيلاً منه يكون في كسب المواقف واقتناص الفرص لصالح القضية والهدف الأسمى المتمثل بإسقاط النظام وإحلال الدولة العصرية الديمقراطية.
من ناحية أخرى، هل من الحكمة بمكان أن تتجه بعض الدول العربية، كالأردن والبحرين والإمارات، إلى التطبيع مع النظام السوري الفاقد للشرعية المحلية بعد قتله مئات الآلاف من الشعب السوري وتوطين المرتزقة الطائفيين الذين أتى بهم من كلِّ أصقاع الأقاليم، أو حتى التفكير بالانفتاح عليه اقتصادياً ودبلوماسياً بعد الفشل في تغييره!
في حقيقة الأمر، بات السوريون في حيرة من أمرهم؛ هل يعاتبون الحكومات العربية أم يلومون معارضتهم التي زعمت أنها تمثلهم؟ وهل يتوجهون إلى المجتمع الدولي ومنظماته التي شاهدت مأساة الشعب السوري لمدة عقدٍ كاملٍ من الزمن!
تبقى في مجملها أسئلة محقة تتوجَّب الإجابة عنها في القريب العاجل، قبل أن يفوت قطار التغيير والانتقال لدولة المواطنة التي كثيراً ما حلم بها أغلبُ السوريين.