الطريق- درويش خليفة
دقَّ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، ناقوس الخطر مع حلول فصل الشتاء، محذراً من تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا بعد تدهور الأمن الغذائي، وانخفاض منسوب المياه، وزيادة في عدد المصابين بفيروس كورونا، ممَّا يُعقد الأمر على القوى المسيطرة في مواجهة هذه الأزمات مجتمعة.
وفي إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، قدّر السيد غريفيث، "عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 بالمئة" من مجمل عدد السكان الموزعين بنسب متفاوتة في مناطق سيطرة القوى العسكرية، النظام وفصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية.
وأكثر ما يثير الاستغراب في الحالة السورية هو توفير الأموال والمؤن والذخائر للمعارك، وشح المساعدات الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية عن المدنيين؛ ففي معركة درعا الأخيرة وفّر الأسد وحلفاؤه كلَّ ما يلزم لها، وعندما سيطرت قواته على المناطق التي جرت فيها المصالحات بموجب الاتفاق مع الأهالي هناك، لم تبادر المؤسسات التابعة للنظام بإعادة الحياة إلى الأحياء السكنية شبه المدمَّرة ولم تسعَ لعودة الخدمات وتوفير الطحين والوقود للمخابز، بينما كانت صواريخ الفيل التي ألقيت على بيوت أهالي درعا، تُصنع محلياً في الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام السوري التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد.
مخطِئ من يظن أنَّ الثورة السورية تقتصر مسبباتها على غياب الحُريَّات ومبادئ حقوق الإنسان فقط، إذ تكون بذلك النظرة محددة بعاملٍ واحد من جملة العوامل التي حرَّكت السوريين للتظاهر، في بلدٍ يُعتبر فيه الاحتجاج على أركان حكمه انتحاراً بكلِّ ما تعنيه الكلمة.
ومن هذا المبدأ، لا يمكننا إغفال الجانب الاقتصادي المتدهور ومعدل البطالة الذي وصل إلى مستويات مخيفة في سوريا قبل آذار 2011، مقارنة بدول الإقليم، عدا عن انتشار الفساد بشكلٍ كبير على مستوى الأفراد والمؤسسات، وصولاً إلى القطاع الخاص الذي يعتمد أعضاء الغرف التجارية والصناعية فيه بشكل كبير على إرضاء السلطة والشراكة معها في بعض الأحايين، وإيداع جزء من أرباحهم في حسابات رجالات النظام وكبار (موظفي الدولة) بما فيهم قادة الفروع الأمنيّة الذين لا يوفرون فرصة لابتزاز رأس المال السوري، حتى وصل الأمر عند بعضهم بالتطاول على المستثمرين العرب، إضافة إلى أنّ جزءاً من عائدات الشركات الكبرى تذهب لحساب خاص برأس النظام في دول أوربية، ولا سيَّما تلك التي أنشأها الأسد لصالح أقاربه، مثل شبكات الهواتف النقالة وشركات النقل الجوي، حيث كان بشار قد فرض ابن خاله رامي مخلوف كشريك على المستثمرين العرب، بالإضافة إلى أمور أخرى يعرفها جميع السوريين.
ويصنف البنك الدولي الاقتصاد في سوريا على أنّه من أدنى مستويات الدخل المتوسط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ بسبب الإدارة المباشرة وسيطرة القطاع العام عليه، إلا أنّ الأسد الوريث قام بخصخصة بعض القطاعات الاقتصادية على أن تبقى ضمن الطبقة الملاصقة لحكمه، الأمر الذي جعل المستثمرين الأجانب يصرفون النظر عن فكرة الاقتراب من الاستثمار في سوريا، لأنَّ 51 بالمئة من رأس المال التجاري يجب أن يكون سورياً.
الأزمة الإنسانية في سوريا ليست وليدة الحاضر، بل هي نتاج للانقلابات العسكرية المتكررة وتجيير السلطة في عهد حزب البعث لصالح شخص الرئيس والطبقة المقربة منه، وتهجير وإفقار كل من يعارض حكمه كأقل عقوبة في دولة الأشباح ومعتقلات الموت.
إنَّ من يراقب الأعداد اليومية للهاربين من مناطق سيطرة النظام، يدرك حجم المعاناة التي تعترض الحياة اليومية للسوريين، فمعدلات البطالة في العقد الأخير وصلت حتى 60 بالمئة ومؤشر التنمية المحلية متدنٍّ بحيث لا يتجاوز (0.648) في ضوء الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.
ووفقاً للبنك الدولي، "تتوقف آفاق الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط باحتواء الحرب، وإيجاد حل سياسي، وإعادة بناء البنية التحتية ورأس المال الاجتماعي".
ومن هنا يتضح، أنَّ مأساة السوريين مستمرة في ظل تعنّت النظام وعدم انصياعه للقرارات الدولية الداعية إلى الانتقال السياسي الذي يمكِّن إعادة الاستقرار، في بلدٍ دمرته الحرب والتدخلات الخارجية وشرَّدَت منه أكثر من الثلث؛ بين نازحٍ محلي ولاجئٍ في دول الجوار والشتات.
وهذا ما يحتّم على المجتمع الدولي ومنظماته الاستنفار لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية التي صارت خطراً على العالم أجمع، حيث من المعروف أنّ الفقر يولّد الجريمة التي تسهم في خلخلة الأمن وزعزعة الاستقرار الدولي، الأمر الذي يستخدمه النظام السوري عبر تصدير الإرهاب، مستغلاً موقع سوريا المهم على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.