الطريق- درويش خليفة
لم تنفِ القوات الأمريكية تعرُّض القاعدة العسكرية التي تستخدمها في التنف جنوب شرق سوريا لهجوم يرجح أنه من طائرات مسيرة (Drones)، جاءت من جهة الحدود العراقية مع سوريا باتجاه البادية السورية لتقوم باستهداف القاعدة الأمريكية في أول محاولة جريئة من قبل الأطراف المعتدية، والتي يُعتقد أنَّها من الميليشيات العراقية الولائية المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني.
موقع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أكّد على لسان مسؤولين عسكريين أمريكيين، أنّ القوات الأمريكية في سوريا استُهدفت يوم الأربعاء في "هجوم متعمد ومنسق" يبدو أنه استخدم طائرات بدون طيار ونيراناً غير مباشرة، في القاعدة التي يوجد فيها حوالي 200 مقاتل أمريكي على الطريق السريع بين دمشق وبغداد.
وتُعتبر هذه الضربة الأولى منذ إنشاء القاعدة العسكرية في التنف عام 2016، حيث كانت مهمتها تدريب المقاتلين المحليين لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ولا تزال القاعدة هناك تقدم الدعم لفصيل مغاوير الثورة المعارض في المثلث الحدودي مع العراق والأردن.
ويُشير الهجوم الأخير في التنف إلى تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة المستهدفة، وقد تشمل الجغرافية السورية بأكملها، من خلال انهيار الاتفاقات الضمنية أو المعلنة بين الأطراف المتصارعة في هذه المساحة الجيوستراتيجية الهامة للغاية، من جميع النواحي العسكرية والسياسية؛ فقد بدأت القوات الروسية تنسحب من جنوب سوريا تاركةً المنطقة للميليشيات الإيرانية، واستهداف إسرائيل مطار T4 العسكري في شرق تدمر بين الحين والآخر لمعرفتها المسبقة بوجود قادة للحرس الثوري هناك.
وعليه، فإنَّ الهجوم على قاعدة التنف، ينهي كلَّ فرص التفاهمات "الروسية الإسرائيلية الأمريكية" إزاء الوجود الإيراني في سوريا.
هدوء التصريحات الأمريكية من قبل إدارة بايدن، تُعبر عن احتواء للحادثة وعدم التهويل لها، بسبب تراجع شعبية الرئيس الأمريكي داخل بلاده بعد الانسحاب من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان الإسلامية، لذلك؛ أكّد البنتاغون على أن الهجوم لم يُصِب أياً من المقاتلين الأمريكيين بأذى، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على سياسات واشنطن باستغلال الحادثة من قبل النواب الجمهوريين في الكونغرس، الذين يرفضون متابعة المفاوضات مع إيران والاستمرار بفرض عزلة دولية عليها وتكثيف العقوبات الاقتصادية على حكومة طهران، لاسيَّما بعد وصول الرئيس الراديكالي «إبراهيم رئيسي» لسدة الرئاسة في إيران.
من الواضح، أنَّ القوى المعارضة للوجود الأمريكي في سوريا ليست بوارد الدفع باتجاه معركة طويلة مع الأمريكيين، مما يؤدي إلى بقاء القوات الأمريكية وشركائها في التحالف الدولي لمحاربة داعش لفترة أطول، وبذلك يتم الحؤول دون تطبيق كل مشاريع الأطراف التي تركزت معاركها الأساسية بالفترة الأخيرة في البادية، على طول الطريق الواصل بين الحدود العراقية والسورية.
ونتيجة لتلك العوامل، من المتوقع أن يكون هناك رد قاسٍ من الأمريكيين، بشرط ألا يكون واسع النطاق بحيث لا تتحول إلى معركة استنزاف تعيد مفاوضات الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر، أو تشكل عائقاً أمام استراتيجية «خطوة بخطوة» التي تفاهم عليها الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي في جنيف منتصف شهر حزيران/ يونيو من العام الجاري؛ ولأن هذه المعركة على وجه الخصوص لن تكون مفيدة للجميع بسبب ما تمرّ به اقتصادات الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من خبرة الرئيس الأمريكي السياسية ومعاصرته لمراحل تحول السياسات الأمريكية والتي كانت إحداها "الضربات الوقائية" التي لا تتطلب تصويت الكونغرس، إلا أنّه لم يقم بأي خطوة من هذا القبيل، بعد التسريبات التي تتحدث عن معرفة البنتاغون بالهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية، وانتشار قوات التحالف الدولي (الأمريكية والبريطانية والفرنسية) خارجها، مما يشير إلى رصدها من قِبل كتيبة الاستطلاع قبل وصولها إلى قاعدة التنف.
حروب الأشباح
منطقة البادية السورية التي تنتشر فيها بقايا مجموعات تنظيم الدولة داعش، ومرور قوافل الميليشيات الإيرانية وحزب الله والنجباء العراقيين، تُعتبر منطقة ملتهبة تودع من خلالها رسائل عسكرية بطوابع سياسية، ترسلها جميع الأطراف المتناحرة هناك، عبر استخدامها للطائرات المسيّرة، والتي باتت الأداة الأكثر نجاعة في هذه المنطقة المكشوفة لضرب مصالح المتصارعين، بمنطقة تشبه "تورا بورا" الأفغانية مع اختلاف التضاريس؛ إذ إنّها في كثير من الأحيان تصبح ثقباً أسود يبتلع أفراداً ومجموعات من الميلشيات العابرة باتجاه دمشق.
ومن هنا نخلُص، إلى أنّ الإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تمنح إيران الفرصة تلو الأخرى لتقويم سلوكها، على أمل إتمام صفقة الملف النووي الإيراني مع الدول الخمسة زائد واحد في المفاوضات الماراثونية في فيينا.