الطريق - غداف راجح
انتهت، السبت، عملية تسجيل الراغبين بالترشح إلى منصب الرئاسة الإيرانية، وفاق عدد المرشحين 130 مرشحاً، ليدخل هؤلاء في سباقٍ جديد في مجلس صيانة الدستور، الذي سيُقرُّ في نهاية الأمر من أربعة إلى ستة مُرشحين مؤهلين لمنصب الرئاسة، وستكون المعركة الانتخابية بين هؤلاء، ويُنتظر أيضاً أن يكون هؤلاء الستة منقسمين إلى: نصف إصلاحي، وآخر أصولي.
وبغض النظر عن الانتماءات السياسية للمرشحين، إصلاحيين كانوا أم أصوليين، فإنّ ذلك لن يُغيّر شيئاً من قواعد اللعبة، خصوصاً فيما يتعلق بالملف السوري، فلا يعلو في طهران صوتٌ فوق صوتِ المعركة، ومعركتهم في سوريا باتت تُدار باسم المُرشد الإيراني نفسه، وهو الآمر الناهي في هذا الأمر، ولا تستطيع قوّة في إيران، أيَّاً كانت، أن تُغيّر من نهج السياسية الإيرانية في سوريا، خصوصاً بعد أن غاصت في الأرض السورية إلى العنق.
وأثبتت التسجيلات الصّوتية التي سُرّبت لوزير الخارجيّة الإيراني جواد ظريف مؤخراً، أنّ الوضع السوري كان ومازال يُدار من قِبل الحرس الثوري الإيراني، وليس من دائرة الرئاسة أو الخارجية، وهو الأمر الذي كان يضع ظريف في مآزقَ سياسيةٍ على الصعيد الدولي، حسب قول ظريف.
وزيارة ظريف إلى دمشق قبل أيّام عدة؛ أتت لإظهار مدى الترابط بين الدبلوماسية الإيرانية وبين مؤسسة الحرس الثوري، بعد أن فضحها ظريف بتسجيلاته، ودحض كلام ظريف ذاته من أنّ سليماني هو من كان يُدير العمليات على الأرض.
أكثر من ذلك؛ منصب الرئاسة في إيران أكثر ما يمكن تشبيهه بمنصب رئيس الوزراء في سوريا، وفي إيران لا يوجد منصب رئيس وزراء.
وعلى هذا الأساس، يكون المُرشد الإيراني هو الرئيس الفعلي لإيران، وما عدا ذلك كغثاء السيل. وإذا نظرنا للحكومات المُتعاقبة على إيران - إصلاحية أو أصولية- فسنجد أنّه لا فرق في التعاطي بين الاثنتين.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أنّه في العام 2018 نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" عن نائب رئيس جهاز الاستخبارات، حميد محبّي، قوله: إنَّ المرشد الإيراني علي خامنئي "هو من انتبه للمؤامرة ورفض التخلي عن الأسد"، وإنّ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، تخلى عن دعم الأسد في بداية الثورة السورية، غير أنّ الأصولي محمود أحمدي نجاد نفسه لم يستطع كبح جماح مُرشده وثنيه عن التدخّل في سوريا.
لكن ماذا لو قدّمت طهران تنازلات في سوريا؟ في هذه الحالة من المؤكد أنّ هذا التنازل لن يكون بهدف حفظ دماء السوريين، فآخر ما يهم هو هذا الأمر، إنّما دخلت سوريا اليوم، كما في العام 2015 ، بازار التفاوض السياسي، حيث يُفاوض الإيرانيون اليوم في فيينا على العودة إلى الاتفاق النووي.
وتقول المعلومات الواردة من هناك، إنّ إدارة بايدن -على عكس إدارة أوباما التي فاوضت على البرنامج النووي فقط- تفاوض على جميع الملفات، فالصواريخ البالستيّة الإيرانية دخلت إلى ملفّات التفاوض، والتوسّع الإيراني في المنطقة موضوع للتفاوض أيضاً.
إذاً، مسألة التدخل الإيراني في سوريا أصبحت بالنسبة للإيرانيين مسألة كسر عظم، فهم من أنفق المليارات في حربهم على السوريين، وجنّدوا المرتزقة وجلبوهم إلى سوريا، وكشفوا عن تقيّتهم التي مكّنتهم سابقاً من لعب دور المقاوم، بينما مشروعهم في حقيقته هو توسعٌ إيراني إلى البحر المُتوسط وربط طهران ببيروت، ويستحيل أن يتخلوا عن هذه الورقة إلّا بمقاومةٍ سوريّة قادرة على طردهم إلى بلادهم، أو في صيغة تفاهم دولية من شأنها فرض تسويات تُلزم طهران بالانسحاب من سوريا.