غداف راجح
ما إن اُنتخب المُتشدد، إبراهيم رئيسي، لمنصب الرئاسة في إيران، حتى عادت الرسائل الإسرائيلية المدعومة بتصريحات أمريكية تصل إلى العُمق الإيراني، وتضرب عصب الصناعة النووية الإيرانية، وأتت تلك الرسائل بشكل هجمات سايبرانية أو هجمات بطائرات مُسيرة.
أولى تلك الرسائل وكانت سايبرانية، أوقفت محطة بوشهر النووية عن العمل وأخرجتها عن الخدمة، وحرمت حكومة "رئيسي" الوليدة من 1000 ميغا وات من الكهرباء، وساهمت بتعميق حالة الإيرانيين السيئة، والتي تُعاني من انقطاعات حادة بالطاقة الكهربائية من أيار/ مايو الماضي. لكن وكما هي العادة؛ عزت إدارة المحطة ذلك العطل إلى "عيب تقني" وأنَّ المحطة ستعود إلى العمل قريباً.
الرسالة الثانية كانت عبارة عن هدفٍ مدرجٍ في قائمة الأهداف التي قدّمتها إسرائيل إلى إدارة ترامب أوائل العام الماضي، ووصلت هذه الرسالة على ظهر طائرات مُسيرة ضربت مدينة "كرج" غرب طهران، واستهدفت مبنىً لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وهو أحد مراكز التصنيع الرئيسية في إيران لإنتاج أجهزة الطرد المركزي، والمعروف باسم شركة تكنولوجيا الطرد المركزي الإيرانية أو TESA.
وعلى الجانب الآخر؛ خرج الرئيس الإيراني الواصل حديثاً ليؤكد في خطابه الأول أنّ بلاده لن تنتظر إلى ما لا نهاية لإبرام الاتفاق النووي، مؤكداً أن بلاده تُريد توقيع هذا الاتفاق كما وقِّع أول مرة (14 تموز/ يوليو 2015)، ولن تُضيف عليه أيّ بنود جديدة، وبالمقابل سترفع أمريكا العقوبات المفروضة على طهران دفعة واحدة، وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن جملاً وتفصيلاً، حيث خرج بالأمس المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، ليؤكد أنّ إدارته تتشاور مع إسرائيل فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وأنّ تلك الإدارة لا تثق بالرئيس الإيراني الجديد، كما أنّ إدارته لن توافق على إزالة جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب سابقاً، وإذا كان هذا الاتفاق لا يلبي المصالح الأمريكية فإنّ واشنطن ستنسحب منه.
وبالتوازي؛ يُطالب الفريق التفاوضي الإيراني برفع العقوبات عن مرشدهم الأعلى، وهو الأمر الذي ترى فيه واشنطن فرصة، ومن المتوقع رفع العقوبات عن الخامنئي مُقابل تقديم طهران تنازلات كبيرة في الملف النووي.
لم تمر ساعات على تصريحات "مالي" حتى وصلت رسائل إيرانية عبر مُسيرات حاولت استهداف القنصلية الأمريكية في أربيل شمالي العراق، قبل أن تتمكن القوات الأمريكية من إسقاطها، مفاد تلك الرسائل أننا قادرون على إيذائكم في مناطق وجودكم إن لم توقعوا على الاتفاق النووي، وبالطبع كانت بصمات الحرس الثوري الإيراني واضحة على ذلك الهجوم.
وبالنظر إلى الحال الإيراني الداخلي؛ فإنّ الرئيس الإيراني الجديد الذي يُشكل له الملف الاقتصادي الداخلي تحدياً كبيراً؛ يسعى وبشكلٍ سريع لتوقيع اتفاق نووي من قِبل إدارة الرئيس روحاني قبل مغادرتها، وإلّا فسيكون لزاماً عليه التوقيع على هذا الاتفاق؛ ليس لأن هذا الاتفاق يُلبي الطموحات الإيرانية، ولكن لأنّ الوضع الداخلي في طهران وصل إلى حالة الانفجار، فجميع أركان النظام الذين صبروا أربعة أعوام كانوا بانتظار ذهاب ترامب ليوقعوا اتفاقاً نووياً يفتح للنظام شرياناً للحياة، وهنا لا يُريد رئيسي أن يتم التوقيع من قِبل إدارته؛ فهو المُتشدد المدعوم من قادة الحرس الثوري، وهكذا اتفاق سيهزُّ من صورته المُتشددة أمام أنصاره في الحرس الثوري أو قوّات الباسيج.
إذاً؛ من الواضح أنّ طهران وواشنطن تبحثان عن توقيع اتفاقٍ نووي جديد، لكن الخلافات اليوم عن ماهية هذا الاتفاق، فطهران تبحث عن استنساخ للاتفاق القديم، فيما تؤكد واشنطن على ضرورة توقيع اتفاق جديد، وفي سبيل حصول كل طرف على مطالبه؛ سيواصل الطرفان إرسال الرسائل عبر الطائرات المُسيرة علّها تُغيّر من شروط التفاوض.