الطريق - غداف راجح
منذ انتصار ثورة العمائم في إيران، وتأكيدها علانيّةً على تصدير هذه الثورة إلى العالم العربي والإسلامي، لم يجد حينها قادة تلك الثورة أفضل من فلسطين والقدس شعارات لتكون حاملاً لذلك التمدد، فيبدأ تصدير الثورة بيوم القدس في العام 1979، ويصل اليوم إلى مرحلة البدء بتشييع البعض من أهالي غزة.
لنعد قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى يوم 7 آب/ أغسطس عام 1979، وهو تاريخ إطلاق "يوم القدس العالمي"، سنجد أنّ ذلك التاريخ يأتي بعد قيام النظام الإيراني الجديد بمجزرة رهيبة في مدينة المحمرة الأهوازية العربية، قُتل خلالها أكثر من ثلاثمئة عربي من أبناء المدينة على يد المُتطرفين الفرس تحت اسم الإسلام ــــ كما يُقتَل السوريون والعراقيون واليمنيون اليوم ـــــ ليكون إعلان يوم القدس مُحاولة من الخميني حينها للتغطية على تلك الجريمة، وغيرها الكثير من جرائم التطهير العرقي ضدَّ أبناء الأعراق غير الفارسية، الذين طالبوا بالحكم الذاتي بعد انتصار ثورة الخميني.
ومنذ إعلان يوم القدس، أدركت إيران أنّ فلسطين والقدس الشريف تمثلان ضمير الأمة العربية والإسلامية، وأنّ المقاومة الفلسطينية ستكون مدعومة من شعوب المنطقة قاطبةً، فقررت "دعم" حركات المقاومة الفلسطينية، ووقع الخيار على حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي، لتكون هاتان الحركتان ــ بقصد منهما أو عن غير قصد منهما وهو ما نرجحه ــ عبارة عن حصان طُروادة تتمكن إيران من خلاله دخول المنطقة بذريعة دعم حركات المُقاومة وحماية القدس الشريف، وبدا ذلك جلياً بعد أنّ سقطت شماعة حزب الله اللبناني في المُقاومة، بعد ترسيمه الحدود مع إسرائيل.
أكثر من ذلك، كما يعلم الجميع؛ لا يوجد أي شيعي في قطاع غزة منذ الأزل، وهذا ليس كلاماً طائفياً؛ بل هو توصيف ديموغرافي لحالة القطاع، غير أنّ رفض حركة حماس وحتى حركة الجهاد الإسلامي تغيير مذهبهما الديني، أجبر إيران على البحث عن شخص قيادي في إحدى الحركتين ليكون حاملاً رايةَ التشيّع في القطاع، وإذا كانت حجّتها سابقاً الدفاع عن القدس؛ فستكون حجّتها اللّاحقة الدفاع عن الشيعة في غزة، ليقع الخيار على "هشام سالم" الذي قبل أن يحمل لواء مرشد الثورة الإيراني، ويبدأ بنشر التشيّع في غزة.
عام 2011 أعلن هشام سالم عن حركة "الصابرين" علانيةً بعد أن كان نشاطها سريّاً، وجلب العشرات من كوادر حركة الجهاد الإسلامي، الذين تدربوا في إيران وتشربوا مذهبها، إلى صفوف حركته الوليدة. ينفي سالم انتماءَه للمذهب الشيعي، غير أنّ واقع الحال على الأرض يؤكد ذلك، فمن ناحية أرسل ابنه للدراسة في حوزات قم، ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الشعار الذي ترفعه الحركة هو الشعارُ ذاتُه الذي يرفعه حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، وبعد عدّة مواقف رفضت فيها حركتا حماس والجهاد التماهي مع الموقف الإيراني تجاه الثورة السورية أو الحرب في اليمن، توقّف الدعم الإيراني عن الحركتين، وبقي مُتدفقاً إلى هشام سالم وحركته.
أمَّا الأمرُ الثالث، فإنَّ طهران تحتاج إلى أن تدعم حركات مقاومة كحماس والجهاد وحتى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة ــ لتبرّئ نفسها من تهمة دعم التنظيمات الشيعيّة الإرهابية كميليشيات حزب الله وأنصار الله والعشرات من التنظيمات الإرهابية في العراق، ولتؤكد أنّها "مع المقاومة أنَّى كان مذهبها".
إذاً؛ فليست القدس من أولويات الولي الفقيه الإيراني، ولا دعم حركات المقاومة الفلسطينية أولوية، وكلُّ ما يهمُّ الساسة في طهران هو الحصول على موطئ قدمٍ لهم في فلسطين، وبالتالي زيادة بالتمدد الإيراني في المنطقة. وبعض حركات المقاومة لم تجد بديلاً عن قبول الدعم الإيراني ــ على مضاضته ــ في سبيل استمرارها بالوقوف في وجه إسرائيل، لتؤكد تلك الحركات أنَّ حلفها مع إيران ما هو إلّا حلفٌ مرحلي تقتضيه المصلحة والسياسة.