الطريق - غداف راجح
لا تملّ إيران من إعلانها عن مشاريع "استراتيجية" من شأنها ترسيخ توسعها في المشرق العربي لتخرج اليوم. وفي الأمس خرج الرئيس الإيراني روحاني ليؤكد انتهاء توقيع العقود بين طهران وبغداد للبدء بمدِّ الخط الحديدي بين مدينتي (شلمجة في إيران والبصرة في العراق)، ومن هناك إلى الساحل السوري.
تُعلن طهران أنّ الهدف من هذا الربط هو تجاري بحت، وهذا صحيح، غير أنّ هدفاً آخرَ لا تُعلن عنه إيران، لا يقلُّ أهمية عن الهدف التجاري، يتجسَّد في مدِّ أذرعها وتثبيت أقدامها في الأماكن التي وصلت إليها من خلال المشاريع الاستراتيجية التي من شأنها تثبيت تلك الأقدام، بعد أن تمكّنت من زرع أذرعها الطائفية على طول ذلك الخط.
روسيا ربَّما هي المعني الأكبر، وصاحبة التنافس الإقليمي مع إيران في سوريا على الرّغم من التفاهم الظاهري، وبالنظر إلى ما سبق من مشاريع إيرانية في سوريا وردّة الفعل الرّوسية عليها، نجد اليوم أنها تنظر وبترقب إنجاز هذا المشروع؛ فهي من جهة لا تُعارضه لما يُشكله خطُّ الرّبط هذا من تحقيق لمصالح موسكو ليس في سوريا وحسب، بل في المنطقة كلها، فمن خلال هذا الخط يكون باستطاعة موسكو الوصول إلى العراق ودول الخليج العربي، عن طريق الموانئ السورية التي تُسيطر عليها بشكلٍ شبه تام، لتصبح الموانئ السورية مركز نقل لوجستي بالنسبة لموسكو، وعلى هذا الأساس؛ فإنّ موسكو لن تُعارض مدّ هذا الخط، بل ربَّما ستكون من أكبر المُستفيدين منه، ولن تدفع مُقابل مد هذا الخط شيئاً.
لكن، من المؤكد أنّ روسيا لن تكون سعيدةً أبداً إذا ما استُخدم هذا الخط بما يُعارض مصالحها، ومن المؤكد أيضاً أن أكبر خلافٍ بين الدولتين سيتركز على ثلاث نقاط؛ أمَّا النقطة الأولى والكبرى فهي ما تُعاني منها موسكو منذ بداية وقوفها إلى جانب إيران في سوريا، المتمثلة بمشكلة التوسع الإيراني في المنطقة، وهو الأمر الذي ترفضه الدول الغربية والعربية في آنٍ معاً، وتُطالب تلك الدول بكبح جماحه، ولا يمكن لموسكو بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تتجاهل مواقف تلك الدول، وهذا يضع موسكو في موقفٍ حرجٍ لأنَّها تخشى على علاقاتها السياسية والاقتصادية الواسعة مع هذه الدول.
والخلاف الثاني الذي سينشب بين طهران وموسكو فهو على إدارة ذلك الخط، فعلى الرّغم من كون موسكو لا تُعارض نشاطات إيران في سوريا إلّا أنّ إدارة هذا الخط ستكون نقطة خلافٍ بين الدولتين، خصوصاً بعد سيطرة طهران على مطار دمشق الدولي، وتحويله لمركز دعم لوجستي مُتقدم لأعمالها في المنطقة.
أمَّا الخلاف الثالث فسيكون حول طبيعة البضائع التي ستنقلها طهران عبر ذلك الخط، وهل ستكون تجارية بحتة، وهو أمرٌ مُستبعد، أم ستكون كمطار دمشق الدولي مركزاً لدعم عملياتها اللوجستية في المنطقة؟.
وعلى هذا الأساس؛ وفي حال تنفيذ المشروع وربطه بسوريا فعلياً، وهو أمرٌ مُستبعد أيضاً في المدى المنظور ـــــ كُشف النقاب عن هذا المشروع لأول مرّة في العام 2010 ـــــ فإنّ التنافس الإيراني الروسي في سوريا سيأخذ شكلاً جديداً، بعد أن عارضت موسكو مشاريع إيرانية عدّة في سوريا كخط الغاز الإسلامي الذي كانت تنوي طهران مدّه لتصدير غازها إلى أوروبا عبر سوريا، وسيطرة طهران على مناجم الفوسفات في سوريا، ناهيك عن السيطرة على مطار دمشق الدولي.