الطريق - غداف راجح
فُرادى وجماعات تنهال المصائب على حُكّام طهران، ولا يجدون بُدَّاً من نفي أيِّ عمليةٍ تخريبية أو يدٍ خفية تقف وراء تلك الهجمات، ليؤكدوا أنّها حوادث طبيعية وتأتي في السياق الطبيعي لها أو بانتهاء عمرها الافتراضي. رُبّما تصحُّ هذه التبريرات من جهة، ورُبّما يكون وراء الأكمةِ ما وراءها.
بالأمس، عاد فريق التفاوض في الملف النووي إلى طهران، وقال المتحدث باسمه: "إنّهم عادوا ليتشاوروا مع قيادتهم في طهران"، وقبل أن تبدأ تلك المُشاورات؛ رُبّما كانت الرسائل الأمريكية تسير مع ذلك الفريق جنباً إلى جنب، لتبدأ هذا الرسائل من انفجار مصفاة "تندكويان" للغاز شمال طهران، ليخرج بعدها معاون وزير النفط مؤكّداً أنّ هذا الانفجار ليس ناتجاً عن عملية تخريبية، وإنَّما ناتج عن خلل فني لا أكثر.
وفي الجنوب الغربي، سقطت طائرة حربية من طراز (F5) في مدينة "دزفول" جنوب غرب البلاد، قُتِل على إثرها طياران حربيان إيرانيان، فأرجع التلفزيون الإيراني الرسمي والبحرية الإيرانية سببَ الحادث إلى "مشكلة فنية" !.
وفي خليج عُمان، غرقت أكبر سفينة حربية إيرانية في تلك المياه، بعد فشل فرق الإطفاء الإيرانية طيلة ساعات في السيطرة على الحريق، ثمَّ تمكّنت فرق الإنقاذ من إجلاء طاقم السفينة.
فهل تلك الحوادث التي جرت خلال أربعٍ وعشرين ساعة حدثت بفعل فاعل، أم أنها تأتي في سياقها الطبيعي؟
في الحقيقة، إنّ المُشاهد والمتابع للحالة الداخلية في إيران يعلم حق المعرفة أنّ البنية التحتيّة في إيران أكثر من متهلهلة، وآيلة للسقوط منذ زمن؛ فمنذ وصول العمائم السود إلى الحكم، لم يستطع هؤلاء تحديث البنية التحتيّة التي خلّفها الشّاه.
فمن المنشآت النووية، إلى شبكة مترو الأنفاق، إلى مصافي الغاز والنفط، وليس انتهاءً بمنظومة الأسلحة وخصوصاً الطائرات منها، جميعها دون استثناء تعود لحقبة الشاه. وكانت صحيفة التلغراف اللندنيّة قالت في العام 2018 إنّ إيران تعد من أكثر الدول التي شهدت حوادث سقوط طائرات مدنيَّة عبر التاريخ، في إشارة إلى المدى الكارثي الذي وصلت له إيران.
لكن، وعلى المقلب الآخر؛ فإنّ تتالي تلك الحوادث - بعد تعثّر المفاوضات النووية في فيينا وعودة الوفود المشاركة إلى عواصمها للتشاور - يفتح باباً من الشكوك حول الجهة التي تقف وراء تلك الحوادث.
وإذا ما وسّعنا دائرة الرؤية قليلاً، فإنّ إيران تحاول الضغطَ على الغرب حالياً من خلال الانتخابات الرئاسية المُقبلة، والتي حُسمت بشكلٍ تقريبي قبل أن تبدأ، ومن المُتوقع وصول "إبراهيم رئيسي" إلى الرئاسة؛ وهو واحد من أكثر الأصوليين تشدداً في النظام الإيراني، ومع وصوله فإنّ فرص توقيع اتفاق نووي كالذي وقعه روحاني مع أوباما تكون ضئيلة إن لم تكن محسومة، وهنا تُحاول طهران القول "وقعوا الآن وبالشروط الإيرانية الحالية قبل وصول السلطة الجديدة إلى الحكم التي لن توافق على ما وافق عليه أسلافها".
وفي الجانب الآخر، أرسل الغرب رسائله من خلال تلك العمليات، ومفادها " إن لم توافقوا على شروطنا، فبإمكاننا الوصول إلى العمق الإيراني، وإحداث كوراث لم يكن بمقدور طهران تحمّلها. وإنَّ الوصول إلى الأهداف الإيرانية لن يكون صعباً، حيث تمّ اختيار تلك الأهداف لتكون بريّة وبحريّة وجويّة".