رأي

هل تصبح حرب روسيا في سوريا.. أبدية؟

الخميس, 30 سبتمبر - 2021
هل تستطيع روسيا إجبار الأسد على التسوية؟
هل تستطيع روسيا إجبار الأسد على التسوية؟

الطريق- إياد الجعفري


في الذكرى السنوية السادسة للتدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، لا يمكن تجاهل سيناريو "الحرب الأبدية" التي تورط فيها الأمريكيون بأفغانستان، لعشرين عاماً، دون الاقتراب، حتى، من النتيجة التي كانوا يأملونها لحظة تدخلهم الأولى هناك، وهي تأسيس نظام حكم مستقر ورشيد وموالٍ للغرب، يعطي صورة إيجابية عن مُخرجات التدخل الأمريكي، ويعزز القوة الناعمة لواشنطن، ويسمح بإحلالها مكان القوة الصلبة. 

وفيما يرفض كثير من الخبراء مقاربة المآلات المحتملة لمستقبل التدخل الروسي في سوريا، من زاوية تجربة الفشل الأمريكي في أفغانستان، يبقى أن أمام موسكو تحديات نوعية قد تجعل أوجهاً من الشبه بين الحالتين، جليّة للعيان. 

لكن في الوقت نفسه، لا نستطيع أن ننكر مروحة الفرص المتاحة للروس أيضاً. وأبرزها، الرغبة الأمريكية في استمالة روسيا لإبعادها عن الصين، التي تشكل هاجس واشنطن الرئيسي اليوم. وهو ما يجعل استعداد واشنطن لتقديم تنازلات للروس في الملف السوري، لقاء تنازلات في ملفات أخرى تهم الأمريكيين أكثر، مرجحاً للغاية. وهو ما بدأ يحدث بالفعل في الأسابيع القليلة الفائتة. لكن تلك الفرصة المتمثلة في تركيز الأمريكيين على الهاجس الصيني، ورغبتهم في استمالة الروس، تبقى مقيّدة بقدرة روسيا على تقديم حلول وسط، يمكن للأمريكيين تقبلها في سوريا.

ما سبق، يجعل المصير النهائي للتدخل الروسي بسوريا، مرتبطاً بصورة رئيسية، بمدى قدرة الروس على تحقيق ما يريدونه بالتعاون مع رأس هرم النظام بدمشق، وعائلته، التي ما تزال تقبض بقوة على زمام النواة الصلبة لتركيبة النظام. أي أن التحدّي الأبرز للروس، في الفترة القادمة، هو بشار الأسد ذاته، وعائلته. ذلك أن تعنت النظام في تقديم أي تنازلات، مهما كانت ضئيلة، ومحاولاته المتكررة للتعامل بشيء من "النديّة" مع الروس، من حين لآخر، تستفز الكرملين. إلا أن الأخير، مع فشل مساعيه في إعادة بناء جيش النظام على أساس التراتبية العسكرية الرسمية، عاجز اليوم عن فرض كامل إرادته على الأسد، الذي تمكن من استعادة زمام السيطرة داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، عبر شبكات زبائنية تدين بالولاء له، بصورة جعلت إقصائه مخاطرة كبيرة تهدد استقرار النظام برمته.

أما التحدّي الثاني أمام الروس في الفترة القادمة، والذي يعدّ أقل صعوبة من سابقه، لكنه يبقى قابلاً للتصاعد، هو ما يتعلق بتطورات حالة "التعاون التنافسي" بين الروس والإيرانيين في سوريا. ورغم البراغماتية الإيرانية المميزة، التي نجحت في تهميش التناقضات مع الروس في سوريا، لصالح القواسم المشتركة، إلا أن الأيام والأسابيع القادمة، تحمل في طياتها تطورات كثيرة مرجحة، قد تعزز من الموقف الإيراني في سوريا، قد يكون أبرزها إعادة إحياء الاتفاق النووي، وما يعنيه ذلك، من عودة الودّ المأمول أمريكياً، مع الإيرانيين. الأمر الذي قد يشجع إيران على رفع عتبة تحدّي النفوذ الروسي بسوريا، في المستقبل المنظور.  

باختصار، يمكن القول بأن تحديد توصيف النجاح أو الفشل للتدخل الروسي بسوريا، في المستقبل المنظور، يرتبط تحديداً، بتطور علاقة موسكو بحليفها الأسد في دمشق، وحليفها الإيراني. إذ لا يمكن توصيف الوضع الروسي الراهن في سوريا، بالنجاح، إلا ربما على المستوى العسكري، مع الإشارة إلى أن روسيا لم تتمكن بعد من استعادة كامل الأراضي السورية لصالح الأسد. أي حتى "النجاح" العسكري، ليس ناجزاً. ناهيك عن أن ذلك "النجاح" العسكري، لم يُترجم بعد إلى نجاح سياسي مستدام. وهو تحديداً، الهدف الروسي النهائي من التدخل في سوريا. 

وقد يكون الداخل الروسي هو الحكم في سنوات قليلة قادمة، بخصوص مستقبل التدخل في سوريا. فالمواطن الروسي لا يعنيه تحوّل بلده إلى "دولة عظمى"، وفق البروباغندا الخاصة بـ فلاديمير بوتين، فيما مستواه المعيشي ينحدر سريعاً، جراء العقوبات الغربية.

ولا يعني ذلك، أننا قد نكون أمام انقلابات دراماتيكية قريبة في قدرة بوتين على التدخل بسوريا، بضغط من الداخل الروسي. إذ حتى ساعة كتابة هذه السطور، لا يمكن تلمس مخاطر مباشرة تهدد مسار التدخل الروسي في سوريا. فكلفة التدخل العسكري، مالياً، تُعتبر ضئيلة مقارنة بميزانية روسيا العسكرية (ملياري دولار سنوياً – فيما تجاوز الإنفاق العسكري الروسي الإجمالي عام 2020 حاجز الـ 60 مليار دولار). كما أن الخسائر البشرية الروسية، رسمياً، ضئيلة أيضاً (تذهب تقديرات إلى أنها لا تتجاوز 300 قتيل من الجنود الروس). دون أن ننسى أن معظم جبهات القتال قد هدأت، مما سيخفف من احتمالات وقوع خسائر بشرية روسية، في المستقبل المنظور.

 إلا أنه ورغم ذلك، تشير المعطيات حول الرأي العام الروسي، إلى أنه غير راضٍ عن توسع المغامرات العسكرية لبلاده في الخارج (سوريا، أوكرانيا، ليبيا، دول إفريقية..). ووفق استطلاع رأي حديث أجراه مركز "ليفادا" الروسي يتضح أن 32% فقط من الروس يؤيدون فكرة أن تكون روسيا قوة عظمى يحترمها الجميع، بينما قال 66% إن تقديم حلول فعالة لتدني مستوى المعيشة يُعتبر أكثر أهمية بالنسبة له، وذلك وفق تقرير لـ "مونت كارلو الدولية" بعنوان "حروب روسيا الأبدية: سوريا والسعي وراء وضع القوى العظمى"، نُشر قبل أيام.

التقرير ذاته يشير إلى أن حصة الفرد الروسي من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، أصبح أقل مما كان عليه في العام 2008، الأمر الذي يضرّ ببروباغندا فلاديمير بوتين، التي يشكل تحسين الاقتصاد الوطني، أحد أبرز ركائزها.

وبناء على ما سبق، فإن توصيف مستقبل التدخل الروسي في سوريا بـ "الناجح"، سيبقى وقفاً على قدرة روسيا على الضغط على الأسد والإيرانيين، للتعاون معها، في التوصل إلى تسوية مع الغرب، لإعادة إعمار البلاد، وإعادة جزء من اللاجئين، وصولاً إلى تقديم صورة مُشرفة للدولة التي صنعها التدخل الروسي في سوريا، بدلاً من مشهد الدولة "الفاشلة" الجلّي حالياً، والذي يثير استفزاز الكرملين بصورة كبيرة، كما يتضح من الحملات التي يشنها الإعلام الروسي من حين لآخر، ضد أداء نظام الأسد. 

ويبقى السؤال معلّقاً: هل تستطيع روسيا إجبار الأسد تحديداً على تسوية مقبولة؟ هنا، يذهب رأي يُعتد به، بأن موسكو وصلت إلى مرحلة اليأس من فعل ذلك، وقبلت بإصلاحات "تجميلية" من جانب الأسد. لكن حتى تلك الإصلاحات قد تبقى غير كافية لتحقيق الحد الأدنى المأمول روسياً، في سوريا، بصورة تسمح لبوتين بتسويق إنجازاته الخارجية في الداخل الروسي، خلال السنوات القليلة القادمة، فيما يتزايد الهم المعيشي في أوساط الروس.