رأي

لا مكان لسوريا على طريق "الحرير" الصيني

الأربعاء, 20 سبتمبر - 2023

الطريق- إياد الجعفري


بعد أن تم تأكيد تلك المعلومات التي نشرتها صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن الزيارة المرتقبة لرأس النظام السوري بشار الأسد إلى بكين، رسمياً، يمكن القول إن الصين قررت رفع منسوب تحديها للولايات المتحدة الأمريكية، في الملف السوري، دون أن يعني ذلك، بالضرورة، أية انعكاسات اقتصادية فارقة. 

وكما قالت الصحيفة المقرّبة من "المحور الإيراني"، فإن لقاء الأسد مع الرئيس الصيني، سيمثّل تعبيراً عن حرص الصين على "تثبيت شرعية الأسد على المستوى الدولي"، وتعزيز الحضور الصيني في الشرق الأوسط، وتعبيراً عن "تجاهل المآخذ الغربية التي كان الصينيون يراعونها" سابقاً، في الملف السوري. بمعنى أن قيمة الزيارة، سياسية، بالدرجة الأولى. أما في الشق الاقتصادي للزيارة، فنتفق مع الصحيفة أن الأسد سيحاول بالفعل، "تحفيز" الصين لتفعيل خطط "الحزام والطريق" في سوريا، بوصفها إحدى الخطوط المحتملة لهذا "الحزام" الاقتصادي. لكن هل ينجح في ذلك؟

في السنوات الثلاث الفائتة، روّج إعلام النظام أكثر من مرة، للـ "الدخول الصيني" إلى سوريا، قبل أن يتضح أن ذلك مجرد مبالغات. ورغم العلاقة السياسية المتينة بين الطرفين، والتي انعكست مشاركة صينية لروسيا في سلسلة "الفيتوات" التي أصدرتها في مجلس الأمن، لحماية نظام الأسد من أية قرارات دولية تشكّل خطراً على وجوده، إلا أن ذلك لم يحظ بأية ترجمة اقتصادية، من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي يكاد يتحول إلى قطب دولي تدور في فلكه دول عدة. 

ويمكن رصد جملة دلالات، على أن الصين الرسمية، وقطاعها الخاص القوي، يرى في سوريا بلداً طارداً للاستثمار. فالحكومة الصينية تعهدت لنظام الأسد في تموز/يوليو 2017، باستثمار 2 مليار دولار، لإنشاء مجمعات صناعية في سوريا. وهو التعهد الذي لم تفِ به الصين، حتى اليوم. كما أن النظام السوري وقّع مع الصين، مذكرة تفاهم في 12 كانون الثاني/يناير 2022 تنص على انضمام سوريا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، دون أن يتُرجم ذلك بأي استثمار نوعي في سوريا، لا من جانب الدولة الصينية، ولا من جانب القطاع الخاص الصيني.

أما عن أسباب هذا الانكفاء الاقتصادي الصيني عن سوريا، فهناك مجموعتان من الأسباب، الأولى تتعلق بالعقوبات الغربية التي تجعل القطاع الخاص الصيني يخشى من عواقب الانخراط في السوق السورية، بينما الثانية فتتعلّق بعوامل داخلية، منها عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والقوانين الضريبية والاستثمارية والفساد الحكومي ودور أمراء الحرب وميليشياتهم، وغيرها من العوامل الداخلية التي تجعل سوريا في ترتيب متدنٍ للغاية على سلم جذب الاستثمارات الأجنبية.

واليوم، ترتفع رهانات الإعلام الموالي والداعم للنظام، مجدداً، حيال انخراط صيني مرتقب في اقتصاد البلد المتهاوي. يشبه ذاك الرهان عالي السقف الذي حدث حين زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق في تموز/يوليو 2021، والتهليل الذي حدث بعيد توقيع مذكرة انضمام سوريا لمبادرة "الحزام والطريق" في كانون الثاني/يناير 2022. وهي الرهانات التي باءت بالخيبة لاحقاً. فما الذي تغيّر اليوم؟

يتحدث المراهنون الموالون للنظام عن متغيّر يتعلّق بجرأة صينية أكبر من السابق، في تحدّي الولايات المتحدة، والانخراط في ملفات الشرق الأوسط، وسط منافسة متصاعدة بين القوتين الدوليتين. ومن حيث التوقيت، يغتنم الأسد طرح واشنطن لمبادرة "الممر الاقتصادي" بين الهند وأوروبا، المار من الشرق الأوسط، والذي يمثّل تحدياً لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية الناشطة منذ عقدٍ، والتي رصدت بكين من أجل تنفيذها، تريليون دولار أمريكي.

 لكن أولئك المراهنين تجاهلوا بسذاجة مفرطة، العوامل الداخلية المنفّرة للاستثمار الأجنبي. إذ حتى لو افترضنا أن الصين وقطاعها الحكومي والخاص، قرروا تجاهل قانون "قيصر"، وذهبوا بعيداً في الانخراط في إعادة ترميم البنية التحتية والموانئ والسكك والطرقات في سوريا، فماذا عن الاستقرار الأمني والسياسي المفقود، الذي هو ركيزة أي مستثمر للإفادة من الاستثمار في بلدٍ ما. ففي الوقت الذي تندلع فيه احتجاجات غير مسبوقة في السويداء، وتتصاعد من حين لآخر، الصراعات المسلحة في الشرق والشمال الغربي، وتظهر العديد من المؤشرات على تململ كبير في أوساط الحاضنة الموالية للنظام، وسط احتمالات انجرار البلاد نحو دوامة من العنف الأهلي، مجدداً، وتتالى مؤشرات نشاط خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في البادية.. وسط كل ذلك، يراهن هؤلاء على إقناع الأسد للقيادة الصينية بأن تستثمر بضعة مليارات من الدولارات الأمريكية، في بلدٍ أفقه مفتوحٌ على المجهول، بصورة جليّة لكل مراقب.

وكما حدث في زيارة الأسد إلى موسكو، في آذار/مارس المنصرم، حيث حظي باستقبال رسمي حافل، بغية التعزيز من "شرعيته" على المستوى الدولي، فيما كانت حصيلة زيارته على صعيد الاقتصاد، صفراً مكعباً، كذلك ستكون حصيلة الزيارة المزمعة إلى بكين. وكما دعمت الصين بشار الأسد سياسياً، على مدار 12 عاماً، دون أن تهدر الأموال في سبيله، كذلك ستفعل في الأفق القريب. فالصين ليست إيران، وليست روسيا أيضاً. ولحسابات الاقتصاد لديها أولوية، تفوق بكثير أجندات الانخراط في صراع جيوسياسي، بكلفة عالية، دون جدوى اقتصادية واضحة.