رأي

هل تتمدد احتجاجات السويداء إلى عموم سوريا؟.. إجابة من وحي الـ 2011

الاثنين, 28 أغسطس - 2023

الطريق-إياد الجعفري


هل تتمدد احتجاجات السويداء إلى محافظات أخرى، لتكون ثورة ثانية شبيهة بما حدث في الـ 2011؟ هذا هو سؤال الساعة اليوم في سوريا. وبمقدار إلحاح الإجابة عليه لدى المراقبين للمشهد السوري، من خارجه، بمقدار ما يبدو تقديم إجابة حاسمة، متعذراً. لكن بعض المقاربات المستندة إلى تجربة الأشهر الأولى من ثورة الـ 2011، قد تكون مفيدة في تقديم تصورٍ لاحتمالات ما يمكن أن يحدث.

أولى وأبرز تلك المقاربات، عنصر العامل العشوائي (مثيرات الاحتجاج)، حسب التعبير الذي استخدمه الباحث السوري، محمد جمال باروت، في كتابه المعنون بـ "العقد الأخير في تاريخ سورية: جدلية الجمود والإصلاح"، والذي صدر عام 2012، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

في حالة الاحتجاجات التي انفجرت وتفاقمت في السويداء، خلال الأسبوع الأخير، كان مثير الاحتجاج الأبرز، قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية، في 15 آب/أغسطس المنصرم، بالتزامن مع خطاب متعنت من رأس هرم النظام، بشار الأسد، والذي كان في غاية الاستفزاز لعموم السوريين، في حديثه مع قناة "سكاي نيوز عربية"، بصورة دفعت القابعين في مناطق سيطرته، للوصول إلى حالة اليأس المطلق من أي بارقة أمل يمكن أن تخفف من حالة التدهور المعيشي المتسارعة التي يعانونها. وقد وجدت حالة اليأس تلك، ترجمتها، في فيديوهات نشطاء الطائفة العلوية، الذين رفعوا السقف بصورة غير مسبوقة في انتقاد النظام، وصولاً إلى النيل من الأسد نفسه. التطور الأخير شكّل عامل تحريض للشارع، وجد ترجمته في السويداء، الخاصرة الهشة أمنياً، بالنسبة للنظام.

 وفيما وصلت الاحتجاجات في المحافظة إلى سقوف غير مسبوقة، تنذر باحتمالات خروجها شبه الكامل عن سيطرة النظام، يبقى امتداد تلك الاحتجاجات إلى محافظات أخرى، هو الشرط الذي من دونه، قد تفضي احتجاجات السويداء إلى نتائج تخص المحافظة وحدها، بصورة لا تؤدي إلى تغيّر سياسي يخص عموم السوريين.

ولا يبدو أن قرارات النظام التي تتجاهل معاناة الناس المعيشية، مُثير كافٍ لامتداد الاحتجاجات إلى خارج محافظة السويداء، بصورة نوعية، بدليل أن النظام أصدر زيادة ثانية على أسعار البنزين والمازوت، بعد أقل من أسبوعين على الزيادة الأولى التي كانت السبب المباشر لتفجر احتجاجات السويداء الأخيرة. 

يستشعر النظام، وفق ردود فعله حتى ساعة كتابة هذه السطور، أريحية في التعامل مع تحدّي الاحتجاجات في محافظة السويداء. ويستخدم النظام "القوة اللينة"، متمثلةً في مفاوضات المحافظ مع الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية. ويتجنب استخدام "القوة الصلبة الأمنية – العسكرية"، رغم التلويح بها، من جانب متحدثين غير رسميين، باسمه. ورغم تهديدات هؤلاء، من المستبعد أن يلجأ النظام لاستخدام "القوة الصلبة" في المحافظة، لأسباب تتعلق بخصوصية الجغرافيا والديمغرافيا، الخاصة بها. ويبدو أنه سيراهن على "حرب باردة" طويلة مع المحتجين، يستخدم فيها أدوات الاستنزاف المعيشي، متذرعاً بقطع الطرقات من جانب المحتجين أنفسهم، إلى جانب أدوات "الحرب القذرة" المتمثلة في تقليب مراكز القوى والفصائل المسلحة في المحافظة، على بعضها. وقد يركن النظام، في مرحلة أبعد، إلى سيناريو ترك المحافظة لتدير نفسها بنفسها، مراهناً على أن يكون ذلك المدخل لانتشار الخلاف بين القوى المحلية متعددة المصالح، وتفتت حالة التماسك الحالية، بينها.

هذه الأريحية في تعامل النظام مع تحدّي احتجاجات السويداء، تتوقف على عدم امتداد الاحتجاجات إلى محافظات أخرى، بصورة نوعية. وهنا، يصبح التحدّي مختلفاً تماماً، ويصبح النظام أمام معادلتين متناقضتين، يصعب التوفيق بينهما. ونستند في هذا التحليل إلى وجهة نظر الباحث، محمد جمال باروت، في مؤلفه المشار إليه، الذي خلص فيه إلى أنه لم يكن ممكناً توسع بعض الحركات وتحولها إلى انتفاضات (عام 2011)، لولا تدخل العامل العشوائي متمثلاً بـ "مثيرات الاحتجاج"، والتي كان أبرزها على الإطلاق، مثير العنف الأمني السلطوي. أي أن النظام، لو لم يستخدم عنفاً مفرطاً مع المتظاهرين عام 2011، لربما انحصرت رقعة الاحتجاجات في مدى زمني منظور، أو تم احتواؤها حينها.

نزعم من جانبنا، أن الخلاصة ذاتها، تنطبق اليوم على المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام. تحديداً في مناطق بعينها، كانت المحرك الأبرز لاحتجاجات الـ 2011. ونقصد هنا، محافظات درعا، وريف دمشق، وريف حمص الشمالي، وريف حماه الجنوبي، الشطر الشرقي من مدينة حلب، ومدن الشرق الخاضعة للنظام (الرقة، دير الزور..). 

فإن سرت عدوى احتجاجات السويداء إلى تلك المناطق، وتواترت فيها النشاطات الاحتجاجية، سيصبح النظام مباشرة، أمام معادلتين متناقضتين: إما احتواء هذه التظاهرات كي لا تتأجج أكثر، باستخدام أدوات "القوة الليّنة"، ويعني ذلك تقديم تنازلات للشارع، مما يعني ذلك، انهياراً أكبر لـ "هيبة النظام"، التي من أجلها استخدم العنف المفرط في الشهور الأولى من ثورة الـ 2011.. أو أن يلجأ لنفس المعالجة التي استخدمها قبل 12 عاماً، وهي العنف الأمني المفرط، الذي سيتسبب بالمزيد من توسع الاحتجاجات، والفزعات والتضامن الأهلي، ليتكرر على الأرجح، ما حدث عام 2011، مجدداً.

بطبيعة الحال، إن وصلنا إلى هذه المرحلة -تأجج الاحتجاجات وخروجها عن سيطرة النظام- فإن معادلات أخرى ستفرض نفسها، حينها. بعضها يشابه ما كان قائماً في العام 2011 وبعده، وبعضها سيكون مختلفاً تماماً، لاعتبارات تتعلق بموقف الحاضنة الموالية من العلويين تحديداً، وبحالة العجز المالي الجلية لدى النظام، وباعتبارات إقليمية ودولية أخرى، قد تصعب الاستفاضة بها الآن.

لكن، تبقى العتبة التي سيؤدي تجاوزها، إلى تكرار ثورة الـ 2011 في سوريا، وهي خروج حركات احتجاجية متواترة في المناطق التي أشرنا إليها أعلاه، هي الحدث الذي لا يمكن الجزم بإمكان حدوثه من عدمه. إذ يصعب قياس، إلى أي حد قد يتجرأ سكان مناطق تضررت بقسوة، بعيد الـ 2011، على التحرك مجدداً. استحالة قياس ذلك الأمر، هو ما يجعل علم السياسة، حقلاً من حقول العلوم الإنسانية، التي لا تشابه العلوم الطبيعية والرياضية في حتمية معادلاتها، بقدر ما تستند إلى الاحتمالات.